بيت “الإخوان ميكري”.. جزء من ذاكرة المغاربة المشتركة مهدد بالإفراغ !
فاطمة أبوناجي
“عاش هنا” هو مشروع تشرف عليه وزارة الثقافة، تخلد عبره ذاكرة الأماكن التي عاش فيها مثقفو وفنانو البلد، اعتبارا لأدوارهم الإنسانية في حفظ المشترك الجميل النبيل الذي شرف البلد، وأشاع قامته عالية بين باقي البلدان. يحدث هذا في مصر، وإن لم تكن الأرض أفلاطونية. أما في المغرب فالفنان الحق، إن نسي في عز تفرغه للفن ورسالته النبيلة ورسم ملامح الخصوصية وترسيخ ثقافته، إن نسي (الفنان) مراكمة المال والعقارات سيجد نفسه ولو بعد 50 سنة وأكثر، مهددا بالإفراغ من مقر سكناه، بل ويمكن لسلطات، دون زي رسمي، أن تقتحم عليه خلوته بملابس النوم وتكسر الأبواب محاولة إخراجه من متحفه/ سكنه/ ذاكرته بالقوة! وهذا بالضبط ما حدث، مأسوفا على حدوثه، مع عائلة الإخوان ميكري، وقد رأينا جميعا، يوم الأربعاء 12 يناير 2022، على مختلف المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، دموع محمود مكري ودموع زوجة أخيه الصحفية وفاء بناني، وانكسار الأبناء الفنانين المثقفين، نصر ميكري ابن الراحل حسن مكري، وابن الفنان محمود ميكري اللذين حملا مشعل الفرقة الموسيقية والغنائية التي أبدعت وخلقت أسلوبا فريدا أشاد به المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، وتغنى به المغاربة منذ سبعينيات القرن الماضي، صغارا وكبارا، ولا زالوا يتغنون به، ولم يخطر ببال أحد أنه بعد نصف قرن سيشهد واقعة الإهانة والاعتداء على “بيت ميكري”/ جزء من الذاكرة الثقافية المغربية المشتركة، واقعة استفزت المشاعر، والصمت عنها مشاركة في الإهانة، لأن بيت ميكري/ الذاكرة/ المتحف، هو بيت كل المغاربة، وأكبر من أن يكون مجرد عقار يباع ويشترى ليملكه شخص واحد، خصوصا إن كان هذا البيع الذي نقلت عبره الملكية تم دون معرفة ساكنيه (لنصف قرن) إلا بعد انقضاء المدة القانونية التي يمكن لهم فيها (وضع التعرض)، حسب رواية عائلة ميكري.
يجلس محمود ميكري على عتبة باب بيتِ فيه كتبَ ولحَّن وعزفَ وغنى أغان شهيرة، بيت تؤثث زواياه آلات موسيقية مختلفة ودروع تكريمية قادمة من كل أرجاء الدنيا، ولوحات تشكيلية، تفنن في رسمها الرحل حسن ميكري، الذي جمع بين الكتابة والتأليف الموسيقي والرسم بالريشة كما الكلمات، يجلس محمود ممسكا فنجان قهوة سوداء، ويغالب دموعه، قهرا، قبل أن ينفجر متحدثا عن من يرى أنها “تود أن تسلبه وعائلته مسكنه وذاكرته: “هذه سيدة بيدها السلطة.. ولكن، الحمد لله، لدينا الله والملك والوطن ومن يريد إخراجي من هنا فليكن ذلك بالرصاص أحسن”. يقف ليبوح بأسرار أكثر، بعد أن بلغ 82 سنة، ويروي جزءا من حوار دار بينه وبين جلالة الملك الحسن الثاني: “سألني الملك سي محمود آش بغيتي؟ غير نشوفك بخير.” ويواصل: “عمرو ما عطانا شي حاجة، أعطانا الابتسامة وأعطانا الرضى لأننا الوحيدين الذين لم يطلبوا شيئا من الحسن الثاني”.. ويتابع “أخي حسن قال للملك ما نجموش نديرو الفن والإدارة” فقال الملك الإخوان مكري أحرار لممارسة الفن”.
يصرخ محمود من أمام بيته وبيت أخيه الراحل حسن ميكري، خاتما: “الإخوان ميكري فنانين ماشي سعاية”. فنانون لا شحاذون.
الحكاية/ الواقعة
اضطرت أرملة الفنان حسن ميكري وابنه الفنان نصر ميكري والفنان محمود ميكري وعائلته، للخروج إلى الإعلام بوجوه مكشوفة، للقول إن ما يحدث لهم يمس إنسانيتهم ويمس معها تاريخا بأكمله رمزا من رموز الوطن الفنية الثقافية “الإخوان ميكري”، تلك الأيقونة العصية على التكرار في زمن “الواي واي” والنسخ المتشابهة، التي لا يتعدى عيشها الشهر لتنتهي دون عودة، لكنها تراكم المال وتتعلم كيف تقتني العقارات، وتتعلم أيضا أصول “المضاربات” إن كان للمضاربات أصول !
من جهتها، وفاء بناني الصحفية زوجة الراحل حسن ميكري، التي تقطن البيت منذ نصف قرن، قالت في حديث مع “رسالة الأمة”: “لم أتصور يوما أن تنتهي عائلة “الإخوان ميكري” أمام قرار بإفراغ المنزل الذي تقطن فيه منذ حوالي 50 سنة بقصبة الوداية.. إنه يوم قاس علينا، ويلطخ التاريخ الفني لاسم آمن بالفن وعاش له.. لقد تفاجأنا بمحاولة إفراغ المنزل بالقوة دون سابق إنذار، وكسرت أبوابنا، بعدما تقدمت مالكة المنزل الجديدة، التي اشترته دون علمنا سنة 2009، بشكاية جديدة أمام القضاء، الذي حكم لنا قبل سنوات، بحقنا في الاستمرار في العيش في بيتنا الذي ندفع مستحقاته الكرائية، منذ عقود طويلة، ومستعدون لدفع سومة كرائية أكبر إن طلبت ذلك، لكنها لم تطلب وتريد طردنا إلى الشارع ومحو ذاكرتنا”، تقول زوجة الراحل حسن ميكري، قبل أن تضيف: “زوجي الفنان الراحل اكترى هذا المنزل منذ سنوات السبعينيات من القرن الماضي، رفقة أخيه محمود، وفيه تشكلت حياتنا وتفاصيل حياة مجموعة/ رمز “الإخوان ميكري” التي رفعت عاليا، وبإحساس عال صوت الموسيقى المغربية، واليوم نحن بحاجة لمن يرفع عنا هذا الظلم، ونناشد في سبيل ذلك ملكنا، نصره الله، وكل غيور على الحق وعلى القانون الذي أنشئ لحماية المواطنين لا تشريدهم”.