ثقافة

يسرا طارق: والدتي بمثابة الدرع الذي حماني من رماح المجتمع الرافض لدخولي إلى المجال الفني

عليا بوغدير

حلق شعري كاملا من أجل تأدية دور في فيلم “دقات القدر” كان اختيارا فكريا وجماليا لم أهدف من ورائه إلى خلق إثارة مجانية أو ضجة من لا شيء

بقلب الريف، وبـ”أزغنغن” تحديدا، إحدى أجمل ضواحي إقليم الناظور رأت النور بين أحضان مجتمع محافظ، تحدت التقاليد البالية والأفكار الذكورية، واستطاعت أن تجمع بين الفن والثقافة والإعلام والسينما، إنها الإعلامية، الممثلة والأديبة يسرا طارق شغفها بالإعلام دفعها للالتحاق بالمعهد العالي (سمعي- بصري) بالعاصمة الرباط، لتنتقل بعد ذلك إلى المعهد العالي للصحافة والإعلام بالدار البيضاء. مسار أكاديمي أهلها لتكون كوجه إعلامي متميز من خلال إعداد وتقديم برنامج “هي” على القناة الأمازيغية، الذي يسلط الضوء على أهم القضايا التي تخص المرأة، لتتولى بعد ذلك تقديم نشرات الأخبار على نفس القناة التلفزيونية.

خاضت يسرا أول تجربة سينمائية سنة 2009 في فيلم “ميغيس” لمخرجه جمال بلمجدوب، وشاركت في شريط “وداعا كارمن” للمخرج السينمائي ابن الريف أمين بنعمراوي، شكلت يسرا طارق ثنائيا سينمائيا مع زوجها المخرج محمد اليونسي، في أفلام سينمائية ناجحة من بينها “الوشاح الأحمر” و”دقات القدر” سنة 2018، الذي توجت فيه بفضل أدائها المتميز بلقب أفضل ممثلة في مهرجان “القدس الدولي السينمائي” بدور رئيسي، وكانت يسرا طارق قد أقدمت على حلق شعر رأسها كاملا، في “دقات القدر” لتنسجم بصدق مع هذا الدور، بعد انتهاء التصوير وجدت صعوبة كبيرة في العودة إلى حياتها الطبيعية عانت كثيرا من رفض المجتمع لها وهي حليقة الرأس، تعرضت للعنف والسخرية وصل في بعض الأحيان إلى حد الشتم من عامة الناس في الشارع.

بعد تجربتها المتميزة في “دقات القدر”، أصدرت الفنانة الشاملة يسرا طارق، أولى رواياتها بعنوان “الواهمة” سنة 2020، اختارت ابنة منطقة الريف أن تؤرخ من خلال إبداعها الأدبي لمدينتها الأصل الناظور في أول عمل أدبي لها.

اشتغلت كمقدمة برنامج “نتات” بالقناة الثامنة الأمازيغية ثم بعد ذلك انتقلت إلى تقديم نشرة الأخبار. تحدثي لنا عن هذه التجربة، وماذا أضافت إلى مسارك المهني؟

برنامج “نتات” أي “هي” هو أول تجربة إعلامية لي، من إخراج المخرج المغربي الأستاذ عبد الرحمان الخياط، كنت محظوظة جدا باختياري كمعدة ومقدمة لأول برنامج تلفزي بالأمازيغية يهتم بوضعية وحقوق المرأة المغربية، واشتغلت على حلقات متميزة رامت مقاربة النوع، المناصفة، الإرث٬ تأنيث الفقر، زواج القاصرات، التحرش الجنسي، مدونة الأسرة…إلخ.

ومن أهداف البرنامج أيضا أن يساعد المرأة على تنمية ذاتها، والكشف عن قدراتها ومواهبها، وإلقاء الضوء على بعض الجوانب الخاصة من حياة بعض النساء المغربيات اللواتي استطعن أن يصنعن لأنفسهن موقعا متميزا بداخل المجتمع، كانت هذه التجربة الإعلامية متميزة وفريدة من نوعها بالنسبة لي، تعلمت الكثير منها وكانت بمثابة الدروس الأولى التي تلقيتها ميدانيا من خلال المرور بكل مراحل إعداد وتقديم فقرات البرنامج، واكتسبت من خلالها ثقافة إعلامية وحقوقية، مكنتني من التقرب بشكل ملموس من مشاكل وقضايا المرأة المغربية.

تجربتك بالتلفزيون في مجال التقديم جعلتك تنتقلين من الشاشة الصغرى إلى الشاشة الكبرى بسلاسة كبيرة، خاصة وأن الفن السابع لطالما راودك منذ أن كنت طفلة تترددين على دار الشباب في قريتك الصغيرة. كيف اقتحمت هذا العالم، ومن شجعك على ذلك خاصة وأنك تنحدرين من مجتمع محافظ؟

في الحقيقة أن العكس هو الذي حدث، بمعنى أن تجربتي كممثلة في السينما سبقت تجربتي كإعلامية في التلفزيون، ورغم أني ولدت ونشأت في مجتمع يفرض العديد من القيود على المرأة ويرفض بشكل قاطع دخولها إلى عالم الفن، إلا أن القدر كان له رأي آخر واستطاع أن يخط طريقي لأكون ممثلة، حينما لم تخمد عزيمتي في النضال من أجل انتزاع حقي في القدرة على الاختيار في أن أصبح ما أريده، وعند أول خطوة في طريقي إلى مجال التمثيل، حاول القدر مقاومة رغبتي في أن أصبح ممثلة، فواجهت عدة صعوبات منها رفض عائلتي ومحيطي ووالدي القاطع بدخولي لهذا المجال، الذي اعتبروه انطلاقا من تصورهم الخاص، أن أي امرأة عملت في مجال التمثيل ستشوه وتلطخ شرف وسمعة العائلة.

لكن القدر هاودني وتبعني عندما تحدَّيت كل هذه الحواجز، وأصبح القدر كأرض ثابتة أقف فوقها بكل ثقة، لأغرس فيها اختياراتي، فقد كنت مؤمنة أن لا شيء قادر على أن ينتشل مني أحلامي طالما أنني مصرة على تحقيقها، وكان التحدي بعدها هو توجهي لمدينة فاس لأمثل أول دور بطولة لي في فيلم سينمائي يدعى “مغيس” كان من توقيع المخرج المغربي جمال بلمجدوب.

ولأني جبلت على عشق الفن، وتربيت على التعدد والتنوع والاختلاف منذ طفولتي بفضل والدتي التي ربّتني وإخوتي على قدم من المساواة وعلى مبدأ احترام الآخر، مهما كان هذا الآخر مختلفا عنا، ورغم أنني ولدت وكبرت داخل مجتمع أشعرني بأنني لا أنتمي إليه، وكان من الصعب علي كوني امرأة أن أندمج فيه دون أن أكون عرضة للتمييز، مع وجود استثناءات قليلة تحتفي بالأفراد الذين يمتلكون طاقات إبداعية، كانت والدتي بمثابة الدرع الذي حماني من رماح المجتمع الرافض لدخولي للمجال الفني.

بخصوص تجاربك الأمازيغية في التمثيل تجربة محتشمة شملت فيلمين فقط، الأول كان سنة 2009 بفيلم “ميغيس” لمخرجه جمال بلمجدوب والفيلم القصير “تردد” رفقة ياسين أحجام. هل السبب في ذلك كون اللغة الأمازيغية ستكون عائق في شهرتك وانفتاحك على الجمهور؟

اللغة في الفن عموما وفي السينما خصوصا لم تكن ولن تكون حاجزا للانتشار، إنما الجودة والحمولة الفكرية والخطاب الإنساني هي الأساس، ولأن الثقافة الأمازيغية ثقافة متجذرة في التاريخ، فإن الأعمال الفنية التي تعيد إنتاجها قادرة على الانتشار واستقطاب المشاهدين إن توفرت معايير الجودة الفنية. وقناعتي، كممثلة، أن العمل الفني يكسب أهميته إن كان يحمل رسالة جدية وإنسانية وبهذا لن أتردد للمشاركة فيه، سواء كان باللغة الأمازيغية أو الدارجة المغربية.. كما أن الجمهور الأكبر يعرف الأمازيغية، كما يعرف الدارجة، إلا أن الأعمال بالدارجة تعرف إنتاجا أكثر.

شكلت يسرا طارق ثنائيا سينمائيا مع زوجها المخرج محمد اليونسي، في أفلام سينمائية ناجحة كـ“الوشاح الأحمر” و“دقات القدر”. كيف تجدين الاشتغال مع زوجك؟

اشتغلت مع مخرجين آخرين قبل عملي مع المخرج محمد اليونسي، حيث عملت مع جمال بلمجدوب في فيلم «مغيس»، وكان أول فيلم سينمائي ناطق بأمازيغية “أهل الريف” وفيلم «وداعا كارمن» للمخرج محمد أمين بنعمراوي.

وعملي مع محمد اليونسي هو علاقة مهنية احترافية وليست شخصية. ففيلم «الوشاح الأحمر» لم يكن لي دور البطولة، بل كانت مساحة الدور صغيرة لأنه رأى أنه الدور الأنسب ليسرا طارق الممثلة وليست يسرا الزوجة، في «دقات القدر» كانت البطولة مسؤولية كبيرة جعلتني أتخوف من وضعي كزوجته، لكنه أقنعني بأن اختياره لي جاء بناء على رؤيته لي كممثلة، خصوصا أن الشخصية من منطقة الريف ومتشبعة بهذه الثقافة ورأى أني كامرأة أحمل ثقافة وطباع وشكل المرأة الريفية. ومن جهة أخرى، أنا منفتحة جدا على العمل مع مخرجين آخرين وأرغب في ذلك من أجل التنوع واكتشاف مرجعيات مختلفة ومدارس إخراجية أخرى والممثل كلما توسع ونوع تجاربه كلما تحدى نفسه وتعمقت معارفه في التشخيص والتجسيد.

ما سبب عدم خوضك أية تجربة سينمائية منذ اشتغالك مع زوجك محمد اليونسي في “دقات القدر”. هل بسبب احتكاره لك فنيا أم أنه لم يُعرض عليك أي دور من طرف مخرجين مغاربة آخرين؟

في الحقيقة، لا أملك جوابا محددا عن هذا السؤال، لكن كل ما أعرفه أن عروض المخرجين واقتراحاتهم أصبحت قليلة منذ أن بدأت الاشتغال مع زوجي المخرج محمد اليونسي، نجاح تجربتنا السينمائية وارتياحه الكبير في العمل معي كممثلة، وربما هذا ما يخلق حاجزا لدى البعض في عدم اعتمادهم عليّ كممثلة في أعمالهم الدرامية والسينمائية.

محمد اليونسي مخرج مبدع يتقن عمله، ويتناول أعماله بعمق جمالي وفكري، ويحمل رؤية ناضجة تمكنه من الإبداع، وهذا هو منطلقي في التعامل مع المخرجين، فبالنسبة لي أنا أتعامل مع المخرج وليس مع الزوج.

تحدثي لنا عن تجربتك السينمائية في فيلم “دقات القدر”

فيلم “دقات القدر” يعتبر أهم تجربة سينمائية بالنسبة لي كممثلة، فكما قلت لك اتجهت نحو السينما سنة 2009، عندما مثّلت أول دور بطولة لي في فيلم سينمائي طويل يدعى “ميغيس” للمخرج المغربي جمال بلمجدوب، لتتوالى في ما بعد أدوار سينمائية أخرى، كان آخرها دوري في فيلم “دقات القدر” للمخرج المغربي محمد اليونسي، أي بعد أن راكمت تجارب مهمة لي في التمثيل بالمجال السينمائي، لذلك كان التفكير في دور البطولة في فيلم سينمائي يعدّ من الأفلام السينمائية المغربية التي أماطت اللثام عن مرحلة مهمة من التاريخ المشترك الذي يجمع بين المغرب وإسبانيا، تفكيرا متأنيا ومدروسا، بعيدا عن الهرولة والارتجالية في البحث السريع عن الشهرة المجانية، وعن أدوار لن تضيف لي أي قيمة تعلي رصيدي الفني.

حلقت شعر رأسك خلال الفيلم، والشعر نصف جمال المرأة. كيف اتخذت هذه الخطوة دون أي تردد؟ وما حمولتها النفسية عليك؟ وكيف كان رد فعل أسرتك المحافظة؟

كانت تجربة قاسية، فمن خلالها اكتشفت أنه ليس من السهل أن تعيش كفرد ينحاز للحرية والحياة في مجتمع لا يقبل التميز والاختلاف، فحلق شعري كاملا من أجل تأدية دوري في فيلم «دقات القدر» كان اختيارا فكريا وجماليا، لم أهدف من ورائه إلى خلق إثارة مجانية أو ضجة من لا شيء.

لم تراودن أبدا من قبل فكرة حلق شعري من أجل عمل ما، إلا عندما قرأت سيناريو فيلم «دقات القدر» حيث وجدت أن الشخصية التي سأقوم بتشخيصها في هذا الفيلم شخصية فريدة من نوعها، وإذا ما اقترح علي مرة أخرى دور يتطلب الخطوة نفسها، فسأخوضها بدون تردد، طالما أن الشخصية مكتوبة بشكل جيد وتستحق المغامرة.

ولا أنكر أنني وجدت صعوبة كبيرة في العودة إلى حياتي الطبيعية حليقة الرأس، وذلك بعد الانتهاء من التصوير، ليس لأنني امرأة فحسب، بل لأنني امرأة ولدت بروح حرة لا تقبل الإذعان لقيود المجتمع، وبسبب هذا المبدأ عانيت كثيرا من رفض المجتمع لي حليقة الرأس، وقد كنت أتعرض للسخرية والشتم من عامة الناس في الشارع لأنهم لم يتقبلوا مظهري خارج الإطار النمطي لصورة المرأة في أذهانهم.

ما ألمني فعلا هو أنني لم أستطع حتى زيارة أهلي في الريف نزولا عند طلب والدي الذي ترجاني ألا أزورهم حتى يطول شعري، كي لا أسبب له الإحراج مع عائلته ومحيطه، كما وصلت الجرأة ببعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي التعليق على صوري من الفيلم حليقة الرأس بنعوت من قبيل (الشيطانة، الكافرة، المسخ، العاهرة….) وغيرها من الأوصاف القدحية التي تعكس رفضهم التام لصورة المرأة خارج التصورات المألوفة التي اكتسبوها من المجتمعات التي ينتمون إليها.

هذا بخصوص إبداعك السينمائي، وبخصوص إبداعك الأدبي “الواهمة” روايتك الأولى، لماذا تيمة المرأة الريفية تحديدا؟

تسلط رواية «الواهمة» الصادرة عن دار العين في مصر، الضوء على تاريخ مدينة الناظور، وعلى قضايا اجتماعية وسياسية وحقوقية في ظل التحولات التي عاشها المغرب والمغاربة إبان انتفاضة يناير 1984.

وتدور أحداث الرواية حول شخصية «سوار» وهي شابة ريفية حرمها والدها من إتمام دراستها في الجامعة بعد حصولها على شهادة الباكالوريا، ومن تحقيق حلمها في أن تصبح طبيبة، لتبقى حبيسة البيت. وكان ملاذها الوحيد هو النافذة الزرقاء التي كانت تطل منها على العالم الخارجي، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي رأت فيه أحمد وهو أستاذ شقيقها صالح، فتعلق قلبها به كما تتعلق العلقة بالبويضة، وبدأت الرسائل الغرامية بينهما. ثم تتطور الأحداث شيئا فشيئا كي تستنتج أنها فقط استبدلت ظلم والدها بظلم زوجها باسم الحب لكي تتحرر، وأن المرأة لا يمكن أن تحصل على حريتها إلا إذا اعتمدت على نفسها بعيدا عن قيود السلطة الذكورية. وقد اشتغلت على تيمة المرأة الريفية تحديدا، لما اضطلعت به من دور مهم في تكوين الوعي المجتمعي لمنطقة الريف في هذه المرحلة التاريخية المهمة من التاريخ الحديث في بلادنا، حيث انخرطت في الاحتجاجات من أجل التغيير ومن أجل صنع مستقبل أفضل، ورغم ذلك لم تحظ باعتراف مجتمعها وتم تجاهلها في معظم المحطات التاريخية المهمة. ولأن المرأة الريفية كانت المحرك الأساسي لديناميكية تغيير مجتمعها والتحرر من أفكار المجتمع العقيمة التي لا تخدم تطورها الذاتي.

بما أنك تمتلكين آليات وأدوات الكتابة. ألم تفكري في خوض تجربة السيناريو؟

حين يطرح علي هذا السؤال سيكون جوابي دائما الرفض، لأنني لا أحب أن أكون متطفلة. الكثيرون يستصغرون مجال كتابة السيناريو، ويظنون أنه عليك أن تكون متمكنا من اللغة فقط أو أن تكون مدرسا أو أستاذا أو غير ذلك لكتابة السيناريو.

في نظري كتابة السيناريو جنس أدبي يجب أن يُدرّس، وله قواعده العلمية لأنه هو ما يطور السينما والدراما في جميع الدول والمجتمعات. أنا لم أتلق تكوينا في كتابة السيناريو ولن أتطفل عليه، سأركز فقط في ما أحب القيام به وما يمكن أن أطور نفسي فيه.

ما جديدك على مستوى الإبداع الأدبي والسينمائي؟

أنا بصدد الاستعداد لتصوير فيلم سينمائي جديد..كما أنني منكبة على كتابة روايتي الثانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق