المجلس الاقتصادي يضع “الفراشة” و”صحاب الكروسة” تحت المجهر.. وهذا ما يقترحه من حلول
![](https://alouma24.ma/wp-content/uploads/2021/12/المجلس-الاقتصادي-والاجتماعي-يوصي-بتقنين-أنشطة-الباعة-الجائلين-بالمغرب-رسم1-780x405.jpg)
عبد الحق العضيمي
“التجارة الجائلة تطرح مشكلات عويصة أمام السلطات العمومية، سواء على المستوى المركزي أو المحلي”، خلاصة ضمن أخرى عديدة ممن انتهى إليها رأي استشاري أنجزه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول “الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة المتجولين”.
وقال الرأي، الذي حصلت “رسالة الأمة” على نسخة منه، إن “أعداد الباعة المتجولين لا تزال تتزايد بوتيرة لا تستطيع السلطات العمومية ضبطها”، منبها إلى أن الأزمة الصحية المرتبطة بـ”كوفيد-19” ساهمت في زيادة عدد هؤلاء الباعة، الذين قدِّر عددهم في سنة 2014 بـ 430 ألف شخص.
وتابع الرأي “صحيح أن التجارة الجائلة تضطلع بدور اجتماعي واقتصادي مهم باعتبارها منفذا لتصريف الإنتاج الوطني وقطاعا يشغل عددا كبيرا نسبيا من اليد العاملة ضعيفة التأهيل، غير أن انتشار هذه التجارة يفاقم من مظاهر الهشاشة في سوق الشغل، ويُشكل مصدر منافسة غير مشروعة للقطاع المنظم ويُلحق الضرر بالاقتصاد الوطني، إذ يُضَيِّع على الدولة مداخيل ضريبية مهمة”.
وحسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن التجارة الجائلة تطرح أيضا مشاكل عديدة من قبيل الازدحام والاحتلال غير القانوني للملك العمومي، وإشكاليات مرتبطة بالنظافة، والسلامة الصحية، والسكينة العمومية، وأمن المواطنات والمواطنين.
وسجل الرأي أنه على الرغم من الجهود التي بذلتها السلطات العمومية من أجل إدماج الباعة المتجولين، من خلال وضع برنامج وطني لإعادة تأهيل الباعة المتجولين، يمتد على الفترة ما بين 2015 و2018، إلا أنه لم تتم إعادة تأهيل سوى 124 ألفا من الباعة المتجولين من أصل 430 ألف بائع مستهدف، وذلك بسبب ندرة الوعاء العقاري، وقلة الموارد المالية، وضعف انخراط المستفيدين، وضعف النشاط التجاري، ومشاكل الربط بشبكات الكهرباء والماء والتطهير.
تجارة قرب وبديل للحالات الهشة
واعتبر الرأي أن هذا النوع من التجارة له “إيجابيات اقتصادية واجتماعية لا يمكن إنكارها، وذلك أن الباعة المتجولين يساهمون بشكل مباشر وغير مباشر في الرفع من مستوى النشاط الاقتصادي والرواج التجاري بالنظر لحجم وتنوع البضائع التي يسوقونها، كما يتيح هذا النشاط التجاري للمستهلكين، خاصة من الطبقات المتوسطة والفقيرة، حرية أوسع في التبضع بأسعار تنافسية، مع امتياز القرب وتوفر العرض التجاري خلال حيز زمني واسع ومرن”.
وقسم الرأي الباعة المتجولين إلى عدة أصناف من الممارسين، وذلك حسب طريقة ممارسة النشاط التجاري، فهناك “باعة شبه مستقرين يحتلون أماكن في الشارع العام يعرضون بضاعتهم على دعائم ورفوف، والباعة الذين يستعملون عربات مجرورة أو يدوية، والباعة بدراجات نارية أو عربات ذات محرك (سيارة، شاحنة…)، والباعة المعروفين باسم “الفراشة” الذين يعرضون بضاعتهم على الرصيف”.
ووصف الرأي هذه التجارة بـ”تجارة القرب”، التي تساهم في النشاط الاقتصادي، كما أنها توفر لشرائح اجتماعية واسعة بضائع ومنتجات وخدمات بأثمنة تنافسية، غير أن لها “سلبيات، منها تأثيرها السيئ على النظام والنظافة وحركة السير في الفضاءات العمومية، ومخاطرها على الصحة العامة، فضلا عن تكريسها لكافة مساوئ القطاع غير المنظم، من غياب الحقوق الاجتماعية للعاملين والمنافسة غير المشروعة للقطاع المنظم”.
وأورد الرأي آخر الدراسات التي أنجزتها السلطات العمومية والهيئات الرسمية التي تلقي الضوء على ظاهرة التجارة الجائلة والتي تعود إلى سنة 2014، وهي الدراسة التي تفيد بـ”أن التجارة الجائلة تشكل حلا بديلا لحالات اجتماعية هشة، وتبين الأرقام أن أكثر من 60 في المائة من الباعة المتجولين لهم دخل يفوق الحد الأدنى للأجور بمعدل دخل شهري يساوي 3100 درهم”.
ومن الأرقام الدالة، رغم أنها غير محينة، أن “الدخل المتحصل عليه من التجارة الجائلة يمثل المورد الأساسي لأسر الباعة المتجولين، بل إن ثلثي الأسر تعتمد كليا على مداخيل أحد أفرادها الذي يشتغل كبائع متجول. وتفيد تقديرات الدراسة بأنه في سنة 2014 كانت التجارة الجائلة مصدر رزق لما يناهز 1,5 مليون فرد”.
وسلط الرأي المذكور الضوء على ما قال إنه قصور يعتري الجانب التشريعي والتنظيمي لهذه التجارة والذي يحول دون إمكانية اندماجه في القطاع الاقتصادي المنظم، والذي يتجلى في “غياب إطار قانوني، وأحيانا أخرى في وجود تباين شاسع بين القاعدة القانونية وتطبيقها”.
وأضاف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن القطاع غير المنظم بشكل عام يعاني من غياب منظومة وطنية تؤطر ممارسة مختلف المهن والحرف، بحيث “يزاول الباعة المتجولون أنشطتهم التجارية دون التوفر على بطاقة مهنية أو سجل تجاري”، كما أن عدم تخصيص أي مقتضيات لهذه الفئة بمدونة التجارة تجعلهم في منأى عن كل الالتزامات الجبائية والاجتماعية، ولا يستفيدون بالمقابل من مزايا الحماية الاجتماعية ولا من الحق في التنظيم للدفاع عن مصالحهم في إطار منظمات نقابات أو مهنية، وبالمقابل، وفق الرأي ذاته، فإن “إحداث المشرع المغربي لمنظومة المقاول الذاتي يمكن أن تساعد على تأهيل جزء كبير من القطاع غير المنظم، والتي تستجيب بشكل خاص لوضعية الباعة المتجولين”.
خلل منظومة التعليم وتنامي مهاجري دول جنوب الصحراء
ورصد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، العوامل التي ساهمت في تفاقم ظاهرة التجارة الجائلة، ومن أبرزها “النمو الديموغرافي للساكنة، وضعف الأنشطة الاقتصادية في الجهات وما ترتب عنه من هجرة قروية، والتوسع العمراني غير المنظم، ووجود أنشطة تهريب للبضائع، وضعف تنظيم القطاعات الاقتصادية والمهن، وتنامي الهجرة من دول جنوب الصحراء في السنوات الأخيرة” إلى جانب ما أسماه بـ”تبعات مظاهر الخلل في المنظومة التربوية واستفحال الهدر المدرسي” حيث قدم مثالا على ذلك بتخلي أكثر من 300 ألف تلميذ عن مسارهم الدراسي دون الظفر بتكوين ومؤهلات تساعدهم على الاندماج الاجتماعي والاقتصادي خلال سنة 2020.
وفي ما يتعلق بالأسباب المباشرة، التي أدت إلى بروز ظاهرة التجارة الجائلة، أجملها الرأي في أسباب رئيسية ذات علاقة وطيدة بمستوى التنمية وبالقدرة على رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى، ومنها الهجرة القروية، حيث إن ضعف التجهيزات الأساسية والخدمات الاجتماعية، وعجز الاقتصادات المحلية في الجهات على خلق فرص الشغل، وتوالي مواسم الجفاف، والمعاناة من الفقر وقلة الإمكانيات، كلها أسباب دفعت أعدادا كبيرة من سكان القرى إلى الهجرة إلى المدن تطلعا إلى حياة أفضل، غير أن تدفق أعداد كبيرة من السكان القرويين دون أن تكون المدن قادرة على استيعابهم، خاصة مع افتقار الوافدين الجدد لتكوين ومؤهلات، وقلة إمكانياتهم المادية، أدى إلى التحاق عدد من هؤلاء بالاقتصاد غير المنظم، وامتهان بعضهم للتجارة الجائلة”، وفق نص الرأي.
ومن الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا النوع من التجارة أيضا، الانقطاع المبكر لمئات آلاف التلاميذ سنويا عن مواصلة المسار التعليمي (431 ألفا في 2018 و304 آلاف في 2019 )، حيث أشار الرأي إلى أن “تدفق أعداد هائلة من الشباب على سوق الشغل دون التوفر على تكوين ملائم أو كفاءات تؤهلهم للاندماج والحصول على منصب شغل أو إحداث مقاولة، ومن الطبيعي أن يلجأ بعض من هؤلاء الشباب إلى الاشتغال كباعة متجولين، كبديل عن إكراهات العطالة”.
ومن جانب آخر، لفت الرأي الانتباه إلى وجود الجماعات المحلية صعوبات كبيرة في مواجهة هذه الظاهرة، رغم الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رئيس مجلس الجماعة بشأن احتلال الملك العمومي وتنظيم الباعة المتجولين، وفق ما ينص عليها القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، نظرا لمحدودية الإمكانيات البشرية والمادية، وغياب صلاحيات تنزيل القرارات وتنفيذها.
توصيات.. هذه أبرزها
إلى ذلك، أوصى الرأي بـ”وضع مخطط وطني للإدماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة المتجولين منبثق عن الاستراتيجية المندمجة التي يقترح المجلس وضعها للحد من حجم الاقتصاد غير المنظم، وفق مقاربة تشاركية تعبأ لها الاعتمادات المالية الضرورية ويعهد بتدبيرها لهيئة تحدث لهذا الغرض، على أن تخضع الهيئة لمعايير التدبير والحكامة الجيدة، وأن يكون لها امتداد على المستويين الجهوي والمحلي، مع العمل على تعميم التجارب المحلية الناجحة”.
ومن توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي “دعم وإشراك المجتمع المدني من أجل مساعدته على النهوض بأدواره والمساهمة في تنظيم الباعة المتجولين، وتمكينه من دور أساسي في مجال المواكبة والتتبع، وإحداث نظام المقاولة الاجتماعية كإطار متقدم لمواكبة الباعة المتجولين”، و”العمل على سد الفراغ القانوني بتنظيم وتأطير التجارة الجائلة بكافة أشكالها وتحيين المقتضيات التنظيمية والمساطر وتبسيطها وإضفاء الشفافية عليها بشأن الترخيص بالاحتلال المؤقت للمِلك العمومي من طرف الباعة المتجولين”.
ومن التوصيات المقترحة “إحداث منظومة مفتوحة للتكوين المهني لتمكين الباعة المتجولين من ممارسة أنشطة بديلة عبر تأهيلهم للحصول على مناصب شغل أو إحداث مقاولاتهم” و”الاستفادة من تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية من أجل تعميم انخراط الباعة المتجولين في نظام المقاول الذاتي، أو نظام “المساهمة المهنية الموحدة” أو شركات خاصة. مع تبسيط وتسريع المساطر المتعلقة بالانخراط في نظام المقاول الذاتي”، وأيضا “تفويت تدبير الفضاءات التي يستغلها الباعة المتجولون، والتي هي من اختصاص الجماعة المحلية، إلى القطاع الخاص، أو إلى مقاولة اجتماعية، أو إلى شركة التنمية المحلية، أو إلى فاعلين من المجتمع المدني من العاملين في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني”.