في ظرفية “أوميكرون”.. قضية المرأة تجمع الفعاليات
المهـدي صابـر
ليس بالقليـل هو عـدد النسـاء المتتبعـات لتطور ظاهـرة العنف ضـد المـرأة فـي المجتمعات العربية، وإن كانت أغلبية المهتمات، كـما المعنيات بالظاهرة، ليس لديهـن أي “تضايـق” من “الإقرار” بأن تفشـي و”استـدامة” معاناة المرأة العربية مـن تـركة العقلية البطريـكية يشكـل، في الظرفية الحالية بالذات، حقيقـة مؤلمة ومهينـة لا منطـق ولا مفهــوم يقبل بدوامها أو استمرارها في مجتمعات اليوم.
ولنا أن نتسـاءل عن ما يمكن أن يكون عليه الأمر إذا ما تعلق الموضوع بوضعية وظـروف المرأة المغربية، وذلك بالنظر إلى أن المرأة المغربية مفروض، أو معروف، بأنها خطـت خطوات بارزة في اتجــاه تجـاوز كل أشكال وسلـوكات ظاهرة العنـف القــائـم عـلى النـوع الاجتمـاعي.
والحديث عن الموضوع ينطلق هـنا مـن أجواء الأنشطة والمبادرات التي خلد فيها المغرب، كغيره من مجمل بقاع العالم المتمدن، مجموعة من الفعاليات، وطنيا وجهويا ومحليا، تعـددت عناوينها ومواضيعها وأشكالها وفضاءاتها، والقصد هو التظاهرة الأممية “الجـديدة” : أي اليوم العالمي لمحاربة العنف ضـد النساء، التي نظمت هـذه السنـة بمستويات عالية عن المألوف في أنشطة وتظاهرات فعاليات المجتمع المدني، بما فيها تظاهرات 8 مارس (اليوم العالمي للمرأة) التي بدأ الاحتفاء بها في المغرب منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، على نطاق محـدود.
ففي الرسالة التي نشرتها الخارجية المغربية، بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء (25 نونبر)، تم التأكيد على أن المغرب يرفض كل الممارسات الحاطة من كرامة المرأة، وكل أشكال العنف ضد النساء، كما تدعـو ــ الرسالة ــ إلى تجديد التزام الجميع بالتصدي لظاهرة العنف المبني على النوع الاجتمــاعي.
ويبدو أن استقبال هـذا اليوم ــ اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء ــ تم هـذه السنة، في المغرب، بشكل مفروض أنه يثيــر انتباه وملاحـظة الجميع، ومن الميزات الإيجابيــة التي يمكن تسجيلها:
ــ أن المشاركة والاهتمام بالتظاهرات وموضوعها امتد إلى مختلف المؤسسات والأوسـاط المجتمعية، بما فيها المؤسسات العمومية، والفعاليات الثقافية في عدة قطاعات، وتعـدد الفعاليات الجمعوية والإطارات المجتمعيــة.
ــ تنــوع وكثافــة الأنشطة والمبادرات المنظمة بالمناسبة، وشمولها للمختلف المجالات والأوساط المجتمعية وأقاليم ومناطق البلاد.
ــ أن حجم المشاركات، وتعدد أطرافها وهيآتها، جعل منها محـطة لاستقطاب وتوسيع اهتمام كل مكونات وفعاليات المجتمع وقطاعاته، وهي المشاركات التي أسفرت أيضا عن بلورة التزامات وبرامج متنوعة، بين تعزز العمل الجمعوي، في مجالات حماية المرأة والنهوض بأوضاعها.
إنها مجرد نماذج مما يقف عليها المرء عند استعراض بعضا من الأنشطة المنظمة بمناسبة حملة (16 يوما لمناهضة العنف القائـم على النوع الاجتماعي)، وفي إطار اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء. أما عن أسباب الظاهر وحجمها ونماذجها، فهناك الكثير مما (يختزنه) الواقع المغربي، وخاصة منه في الجوانب الاجتماعية والثقافية التي كانت وما تزال تغـذي ركائـز ودوافع العنف الموجه ضد المرأة، ومن ذلك الأمثلة المتعـددة لظاهرة تزويج القاصرات، والتجاوزات وظروف الحاجة الماديـة التي تساهم في استمرارية الظاهرة. وحتى في (المجتمعات الرقمية) العربية، هناك ما يعرف بـ “العنف الإليكتروني” الموجه ضد المرأة وأن 60 بالمائـة تعرضن له، بعد أن أرغم العديد من النساء على إغلاق حساباتهن أو حتى الابتعاد الكلي عن منصات الكومبيوتر.
وبعد كل تكاليف المواجهة مع “كــورونا”، ها هو المتحور الجديد “أوميكرون”، وبعد أن فعل فعلته بحركة التنقل وبالتجمعات واللقاءات الجماهيرية، يتبين بأنه مايزال في بداياته وأنه لم تتوفر بعد كل المعلومات حول طبيعته ومخاطره، وبذلك يكون على المغرب العمل بالمزيد من اليقظة والتدابير الاحتياطية والحمائية التي على مختلف شرائحه الالتـزام بها، بما في ذلك، وربما في مقدمته، المرأة المغربية التي يعرف الجميع أدوارها وتحمـلاتها في مثل هـذه الطوارئ.
ومع ذلك، ورغم النماذج المشار إليها، والطارئ الجديد، فالقضية النسائية تتقــدم وستتقـدم، لأن قضية المرأة المغربية هي قضية المجتمع برمته، ولأنها أيضا قضية عادلـة، وهي كذلك جــزء لا يتجزأ من العــدالة الاجتماعية الشامـلة بما تتطلبه وتفرضه من نهـوض اجتماعي وحـقوق وحرية ومســاواة وقيــم منصفـة.
والاقـتناع بهـذا الأفق ربما يكــون من خلاصات ودلالات الأنشطة والتظاهـرات المنظمة ــ عبر أقاليم وجهات المغرب ــ بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، هذه التظاهرة التي كانت لها عدة مميزات إيجابية ونموذجية مـن حيث التنظيم والمساهمات، ومن حيث الابتكار والتجديد، وفي المواضيع والمحاور التي تناولتها، ومن حيث عدد التنظيمات التي بادرت بها، وبحضور العمل الجماعي وتكاثف الجهود، وبمساهمة مختلف التنظيمات والأطراف المشاركة من المؤسسات العامة، ومن الجمعيات القطاعية، ومن الفعاليات الجمعوية، ومن الكفاءات الثقافية والمهنية…، مع ما لكل ذلك من دور في تعزيز دور آليات التنظيمات المجتمعية، وفي نجاح برامجها والأهداف التي تنخـرط فيــها.