قانون “مالية 2022” يجتاز اختبار المستشارين.. المعارضة تشكك في فرضيات وتوقعات المشروع والحكومة ترد
عبد الحق العضيمي
صادق مجلس المستشارين، خلال جلسة عمومية، انعقدت الجمعة الماضي، بالأغلبية على مشروع قانون المالية برسم السنة المالية 2022.
وصوت لصالح المشروع 64 مستشارا، ينتمون لفرق الأغلبية (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال)، فضلا عن أصوات فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وبرلمانيي مجموعتي الدستوري الديمقراطي الاجتماعي، والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، فيما عارضه 18 آخرين، يمثلون فريقي الاتحاد الاشتراكي، والحركة الشعبية، ومجوعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ونقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، في حين سجل امتناع برلمانيي فريق الاتحاد المغربي للشغل عن التصويت على المشروع.
وفي معرض ردها على تدخلات الفرق والمجموعات البرلمانية خلال المناقشة العامة للمشروع، استغربت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، من تشكيك المعارضة في الفرضيات التي استند إليها مشروع قانون المالية لسنة 2022، الذي تنتظره قراءة ثانية بمجلس النواب، بعد موافقة الغرفة الثانية على سلسلة من التعديلات التي أدخلتها لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية على هذا المشروع.
وقالت فتاح العلوي، في جواب على تدخلات الفرق والمجموعة البرلمانية، خلال جلسة عمومية بمجلس المستشارين، يوم الخميس المنصرم، إن “الفرضيات التي استند إليها مشروع قانون المالية لسنة 2022، تبقى جد موضوعية وتأخذ بعين الاعتبار السياق الدولي على أساس التوقعات الأخيرة لجل المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ووزارات الاقتصاد والمالية، والبنوك المركزية ووكالات التنقيط”.
وأكدت الوزيرة، أن الحكومة توخت الصدق في توقعاتها لمعدل النمو لسنة 2022، الذي حددته في 3,2 في المائة، بـ”النظر لكون بلادنا والعالم لم يخرج بعد من الأزمة، وبالنظر كذلك لكون هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة شكلت صدمة شديدة على النسيج الإنتاجي الوطني خلال سنة 2020، مما أسفر عن رکود اقتصادي حاد بناقص 6.3 في المائة”، تضيف المسؤولة الحكومية.
وتابعت المتحدثة ذاتها، أنه “وإن كان اقتصادنا سيسترجع جزءا من النمو المفقود خلال هذه السنة بتحقيق نسبة نمو تناهز 5,6 في المائة، بفضل تدابير الإنعاش الاقتصادي التي اتخذتها بلادنا بقيادة ملكية حكيمة، فإنه لن يستعيد تعافيه الكامل إلا بشكل تدريجي خلال السنوات القادمة بفضل تفعيل مخرجات النموذج التنموي الجديد، وكذا الإصلاحات والمشاريع الهيكلية المبرمجة في إطار البرنامج الحكومي لتقوية النسيج الإنتاجي”.
من جانب آخر، أكدت فتاح العلوي، أن مشروع قانون المالية لسنة 2022، لا يراهن على المديونية ولا على الخوصصة من أجل تنزيل مختلف البرامج والمشاريع المبرمجة، مبرزة أن هذا المشروع يعتمد على ما وصفته بـ”الاستخدام الأمثل والعقلاني لموارد الدولة وعلى حلول خلاقة ومبتكرة دون الإخلال بالتوازنات الماكرو- اقتصادية”.
وزادت بالقول: “استطعنا وفي وقت وجيز، وبفضل تظافر كل الجهود، أن نقدم لكم مشروع قانون مالي يحترم المبادئ الأساسية للقانون التنظيمي لقانون المالية، ويفي بجزء مهم من التزاماتنا تجاه المواطنين، ويضمن استدامة ماليتنا العمومية، ويؤسس لمرحلة تقليص حجم المديونية الذي بلغ مستويات مقلقة”، ثم أضافت “رفعنا من الموارد الجبائية، ليس من خلال رفع الضغط الضريبي، بل من خلال تقوية المراقبة وتحسين مستوى التحصيل، وقمنا بإقرار المساهمة التضامنية لفائدة المقاولات بحسب مستوى ربحها وذلك دون أن نمس بمداخيل الطبقة المتوسطة”.
وتباينت مواقف فرق الأغلبية والمعارضة، وكذا النقابات الممثلة بمجلس المستشارين، بخصوص مشروع قانون المالية بين المدافعة عن التدابير المتضمنة فيه ومنتقدة لها.
وفي هذا الصدد، قال عبد الكريم شهيد، منسق مجموعة الدستوري الديمقراطي الاجتماعي بمجلس المستشارين، إن مشروع قانون المالية لسنة 2022 يكتسي أهمية خاصة، بالنظر لكونه أول مشروع قانون مالية لحكومة جديدة، تشكلت بحيثيات جديدة في مناخ سياسي اقتصادي اجتماعي، وبالنظر كذلك إلى آثار وتداعيات جائحة “كورونا”، وحجم الإصلاحات الكبرى التي قادها جلالة الملك بوضع نموذج تنموي جديد، وإطلاق ورش تعميم الحماية الاجتماعية.
وأضاف شهيد، خلال جلسة المناقشة العامة لمشروع قانون المالية، أن الجميع ينتظر بأن يكون هذا المشروع “مؤشرا واضحا على انطلاق الالتزامات العشر التي حددتها الحكومة في برنامجها الذي نالت على إثره ثقة البرلمان”.
وتابع المستشار البرلماني، أن” الفرضيات التي بني عليها المشروع تتوقع 80 مليون قنطار في الإنتاج الزراعي، مع فرضية استقرار الغاز في السوق الدولي في 450 دولارا للطن، وفي 60 دولارا للبرميل بالنسبة للبترول، في حين نلاحظ ارتفاعا متواترا للأسعار الدولية. وهو ما يجعل الحكومة أمام اختيارات صعبة ومواجهة مفاجئات قد تعمق العجز إلى أكثر من المتوقع”، متسائلا عن السناريوهات التي أعدتها الحكومة لمواجهة حدة آثار ما وصفها بـ”المفاجئات المتوقعة”.
وأشار شهيد إلى أن تنزيل المشاريع الكبرى للنموذج التنموي يرتقب أن يكلف 4 في المائة من الناتج الداخلي الخام في مرحلة الإطلاق بين 2022 و2025 وحوالي 10 في المائة أفق 2030، تنضاف إليها تكاليف مشروع انطلاق تعميم الحماية الاجتماعية والوفاء بالالتزامات الحكومية بدعم الاقتصاد لتجاوز تداعيات أزمة الجائحة ودعم القطاعات الإنتاجية ومواجهة المشاكل الاجتماعية خصوصا في قطاعات الصحة والتعليم والتشغيل، وهو سيضاعف من حاجيات التمويل التي ستكون كبيرة وضخمة، على حد تعبيره.
ونبه المستشار البرلماني إلى أن اللجوء إلى الاقتراض سواء كان داخليا أو خارجيا لا يمكنه أن يتجاوز الحدود المسموح بها. كما لفت إلى أن اللجوء إلى التمويل الذاتي عن طريق التضريب هو كذلك طريق محفوف بالمخاطر، ليتساءل كيف يؤشر هذا المشروع على طموح الحكومة فيما يتعلق بالإصلاحات الجبائية والحكامة الجبائية فهل من إجراءات تكرس هذه الإصلاحات؟.
وزاد شهيد مخاطبا وزيرة الاقتصاد والمالية، “نحن لسنا متشائمين، لكن موقعنا في المساندة النقدية يحتم علينا إثارة انتباه الحكومة إلى كل ما من شأنه أن يؤثر على أدائها وتطلعاتنا جميعا إلى الرفع من منسوب ثقة المواطنين في المؤسسات”.
من جانبه، أكد عبد السلام اللبار، رئيس الفريق الاستقلالي، أن التدابير المقترحة في مشروع قانون المالية تعكس بحق إرادة الحكومة لاستكمال الأوراش الاستراتيجية الهيكلية، مضيفا أن “دليلها في ذلك هو تخصيص المشروع لغلاف مالي يقدر بـ 10 ملايير درهم لتمويل ميزانية الجهات، وهو ما يعني بلغة الواقع وبعيدا عن الشعارات الرنانة أن الحكومة تسعى إلى الوفاء بالتزاماتها بشأن تأهيل المجالس الجهوية، والمساهمة في رفع التحديات التنموية الكبرى التي تعرفها البلاد”، يقول اللبار.
وحسب المتحدث ذاته، فإن الحكومة “أبانت منذ تنصيبها، وبالرغم من أنها لم تُكمل بعد شهرها الثاني، عن قدرتها على الإنصات إلى مطالب المغاربة، وعن قدرتها على قراءة الواقع الاقتصادي والاجتماعي قراءة سليمة عاقلة، وكذا عن قدرتها على إحداث القطائع الضرورية مع الاختيارات السابقة التي سمحت بالتغلغل الليبرالي غير المتوازن في السياسات العمومية”.
من جهته، قال يوسف ايذي، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، إنه “في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع إجراءات وسياسات عمومية تخدم رخاء المواطن، وتقدم له الدعم وتيسر ظروف عيشه، رأينا أن الحكومة الحالية ماضية في تنزيل مفهوم متحور للدولة الاجتماعية لا نجد له مثيلا في كل التجارب المقارنة للديمقراطيات الاجتماعية”.
وأضاف إيذي، أن الحكومة أعطت إشارات غير مطمئنة سواء فيما ارتبط بشروط ولوج مهن التربية والتكوين الجديدة أو فيما حمله مشروع قانون المالية من إجراءات وصفها بـ”ضعيفة وغير ذات أثر سواء ارتبط الأمر بالصحة أو التعليم والتشغيل”.
وتابع أن “ما سببه إقرار شروط مجحفة لولوج مهن التربية من توترات اجتماعية واحتجاجات، بلدنا في غنى عنها، وخيبة أمل كبرى لفئات واسعة من أبناء الشعب المغربي له عنوان للأفق الصادم لهذه الحكومة”، مبرزا أن المؤشرات على هذا الأفق “الصادم وغير المطمئن متعددة لعل أهمها معدل النمو الذي بعدما كان 4 في المائة في البرنامج الحكومي، أصبح في حدود 3,2 في المائة فقط في مشروع قانون المالية، وهو معدل ضعيف جدا ولن يسعف في حل الإشكالات المتراكمة التي يعاني منها المواطن المغربي”.
وانتقد المتحدث نفسه اتجاه الحكومة نحو أسماه بـ “الحلول السهلة، التي يشكل اللجوء للاستدانة، وإغراق ميزانية البلاد وإلزام الأجيال القادمة بها، إحداها للتغلب على عجز الميزانية الذي فاق في المشروع المالي الأول لهذه الحكومة كل التوقعات مقتربا من 6 في المائة في رقم تاريخي سيرهن مصير البلاد ويرهق ميزانياتها المقبلة”.
ويرى رئيس فريق “الوردة”، أن تمكين المعارضة من لعب دورها التشريعي والرقابي كاملا من شأنه أن يحفز العمل الحكومي وأن يقوي حس اليقظة السياسية لدى الحكومة، وهو عنصر لصالحها وليس ضدها.
أما نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، فقد انتقد ممثلها خالد السطي عدم ترجمة الالتزامات المعلنة في البرامج الانتخابية لأحزاب التحالف الحكومي إلى تدابير وإجراءات ومشاريع قابلة للملاحظة والقياس والتقييم.
كما سجل المستشار البرلماني ذاته غياب أية مقاربة تحفيزية للرأسمال البشري للإدارة، وخلو المشروع من دعم القدرة الشرائية للموظف أو الرفع من الحد الأدنى للأجور أو إجراء مقاربة إجرائية لربط الأجور بمستوى التضخم وغياب سلم متحرك للأجور.
ودعا السطي الحكومة إلى مراجعة المنظومة القانونية المؤطرة للشغل، بما في ذلك مدونة الشغل، وتمكين جهاز تفتيش الشغل بكل مكوناته (مفتشين، أطباء، مهندسين…) من مختلف الوسائل المادية والمعنوية للقيام بمهامهم، ومن نظام أساسي عادل ومحفز؛ كما طالبها بتحسين دخل الشغيلة سواء بالقطاعين العام والخاص ورفع الحد الأدنى للأجور، ومماثلة الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي مع باقي القطاعات، وكذا متابعة تفعيل ما تبقى من مقتضيات اتفاقي 26 أبريل 2011 و25 أبريل 2019، لاسيما فيما يخص إحداث درجات جديدة والتعويض عن المناطق النائية والصعبة والزيادة في الأجور بالمؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري والصناعي والخدماتي.