مجتمع

أماكن معزولة ومهجورة.. أساتذة يعانون الإحباط و”الأسبستوس”.. الخطر القائم

عبد الحق العضيمي

ذكرت دراسة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن المدارس الفرعية تعاني من اختلالات هيكلية تتصل أساسا بالظروف الاجتماعية والاقتصادية غير المواتية لمعظم البلدات القروية.
ومن ضمن الاختلالات، التي أشارت إليها الدراسة ذاتها، والمنجزة من طرف الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي التابعة للمجلس، “إنشاء بعض المدارس الفرعية بعيدا عن دواوير السكان، وفي أماكن غالبا ما تكون غير مواتية، كالتشييد على ضفاف الأنهار، أو بمحاذاة المقابر، أو في أماكن يصعب الوصول إليها”.
وفي هذا الصدد، قالت الدراسة، إنه “إذا كانت تلك الوحدات المدرسية تبعد أحيانا بنفس المسافة تقريبا من مختلف الدواوير المستفيدة، فإن الأماكن المهجورة والمعزولة اجتماعيا التي تقع فيها تشكل تهديدات لأمن وسلامة التلامذة والأساتذة على السواء، وتعرضهم بشكل خاص للسرقة، والاعتداءات، والاغتصاب، والكلاب المسعورة، ولدغات الثعابين والعقارب والحشرات السامة، فضلا عن المشاكل الناجمة عن سوء الأحوال الجوية، كالأمطار الغزيرة، والفيضانات، والثلوج وموجات الحرارة المفرطة”.
ومن بين الاختلالات أيضا، والتي وصفتها الدراسة بالخطيرة، اللجوء لبناء المدارس الفرعية إلى البناء الجاهز الذي لا يفي بمعايير السلامة، منبهة في السياق ذاته إلى أن “الأسبستوس” الرخيص والقابل للتركيب بسهولة يشكل “خطرا مؤكدا على صحة التلامذة والأساتذة عندما تتحلل ألياف مواده، وتنتر في الهواء المحيط”، وزادت الدراسة محذرة، أنه “يمكن أن يحدث ذلك عندما تتدهور مادة من المواد بسبب التآكل أو تسرب المياه ولكن، بشكل خاص، أثناء أعمال الصيانة أو الإصلاح أو البناء أو الهدم التي يمكن أن تولد تركيزات مهمة للألياف في الهواء”.
وتابع المصدر عينه، أنه “وعلى الرغم من أن وزارة التربية الوطنية قد توقفت عن اللجوء إلى البنايات الجاهزة منذ عام 1997 لتجنب الأخطار المذكورة، فإن( الأسبستوس) لا يزال موجودا في المدارس الفرعية القديمة، وما يزال احتمال الخطر قائما في تلك البنايات المتقادمة والمتردية”.
كما توقفت الدراسة عند “السكن الوظيفي”، مشيرة إلى أنه “في غياب السكن الوظيفي أو مساكن للإيجار، يجد الأساتذة العاملون في بعض المدارس الفرعية صعوبة في التنقل بين المدرسة ومقرات سكناهم”، وأضاف أن بعض هؤلاء الأساتذة يستخدمون “الأقسام الدراسية للإقامة، وإعداد وجبات الطعام”.
وبعد أن ذكرت الدراسة بأن إدماج السكن الوظيفي لفائدة الأساتذة في المدارس الفرعية لم يبدأ تدريجيا إلا في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، بمعدل سكن في مدرسة واحدة من كل أربع مدارس فرعية، شددت على أن توافر السكن الوظيفي لا يضمن لوحده الفعالية المهنية للأساتذة العاملين في المدارس الفرعية، ولكنه يمكن، على الأقل، من الحد ما يؤثر سلباً في صورة الأستاذ على المستويات المعنوية والاجتماعية والتربوية، وفي أدائه ومردوديته.
الدراسة الرسمية، لفتت الانتباه أيضا إلى ضعف الإشراف التربوي والإداري على المدارس الفرعية. وأشارت إلى أنه “على الرغم من أن الخريطة المدرسية قد قلصت حجم القطاعات المدرسية تدريجيا لينتقل من اثني عشر مدرسة فرعية في السابق إلى ثلاثة مدارس فرعية فقط لكل مدرسة أم (المدرسة المركزية) في الوقت الحاضر، فإن مشكلة الإشراف التربوي والإداري على تلك المدارس لا تزال قائمة”.
وزادت الدراسة موضحة، أنه “نظرا لبعد تلك المدارس وصعوبات الوصول إليها، ولعدم وجود طرق معبدة للسيارات أحيانا، فإن زيارات المفتشين للأساتذة الذين يمارسون في بعض المدارس الفرعية المعزولة تبقى نادرة”، مضيفة “أن مهمة المفتش التربوي لا تقتصر على مراقبة الامتثال للمناهج الدراسية، وإنما تشمل أيضا تقديم المشورة والدعم التربوي للأساتذة، ولا سيما لأولئك الذين تم تعيينهم حديثا في المدارس الفرعية، فإن ذلك يؤدي إلى عدم تأطيرهم”.
وترى الدراسة أن ما يجري في الأقسام الدراسية في المدارس الفرعية يبقى “خارج علم المفتش التربوي، وخارجا عن كل رقابة بيداغوجية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن مدير القطاع المدرسي لا يزور أساتذة المدارس الفرعية التابعين له إداريا إلا نادرا، وأحيانا أبدا”.
ونبهت الدراسة إلى أن شأن ضعف الإشراف التربوي أو الإداري، أن يولد لدى بعض الأساتذة مواقف وسلوكات مخالفة للمعايير التربوية والديداكتيكية المعمول بها. وهو ما يحد من أدائهم ومردوديتهم وتطورهم في المهنة.
ونقلت الدراسة عن تلامذة في المدارس الفرعية، أن بعض الأساتذة الذين يعانون من الإحباط كثيرا ما يتغيبون عن الأقسام، ويمددون عطل نهاية الأسبوع والعطل المدرسية، ويختصرون الدروس، بحيث يصلون إلى المدرسة متأخرين من الصباح، ويغادرونها بعد الظهر في وقت مبكر، تاركين التلامذة بمفردهم أثناء استراحات مطولة.
من جانب آخر، كشفت الدراسة أن عدد المدارس الفرعية ذات البنية غر المكتملة قد انخفض من 3227 سنة 2006 / 2007 إلى 2048 عام 2018/2019؛ وهو ما يمثل 24 في المائة و16 في المائة من إجمالي المدارس الفرعية في هاتين السنتين على التوالي.
وقالت إن تلامذة المدارس الفرعية ذات البنيات التربوية غير المكتملة يضطرون إلى إكمال تعليمهم الابتدائي في مدرسة أم بعيدة عن مقر سكناهم، وهو ما يدفع معظمهم، ولا سيما البنات، إلى التوقف عن الدراسة ومغادرة المدرسة.
ومن ناحية أخرى، أشارت الدراسة إلى أنه في غياب بنية مادية كافية، يضطر ما يقرب من 80 في المائة من المدارس الفرعية إلى اختيار التعليم في الأقسام متعددة المستويات؛ وقال المجلس إن “من شأن هذا الأمر أن يقوض جودة التعلمات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق