الهجـرة والفساد.. معركة المجتمع المغربي برمته
المهدي صابـر
لا يمكن الاستهــانة بالطوارئ والمشاكـل والتـداعيات التي تمس بضوابط المجتمع وبحياة الأفراد وأمنــهم وسلامتهم، ولاسيما حين يتعلق الأمر بسلوكات لا مسؤولـة، وبتجــاوزات تلحق الأذى بالأفراد والجمـاعات. وربما أن ذلك هو أبسط ما يمكن قــوله عـن الحوادث المؤلمة التي تتسبب فيها وتخلفــها مجمــل حـوادث ظاهـرة الهجرة (السرية) في العـديد مـن مناطــق البلاد.
وهـذا بالرغــم من أن هـذه الهجـرة قيل حــولها الكثيـر والكثيــر، وبالرغـم من أن طرق ووسائــل في تســويقها والتـرويج لها تعــددت فيها مختلف أشكال (الابتكــار) المحلـي والمنقـول، وأي من هـذه (الابتكـارات) لابـد وأنه يجــد (فعاليتـه) على طــول سواحل البلاد، وفـي شواطئ المغـرب شمـالا وجنـوبـا، كما سجل ذلك، مرة أخرى، بضواحي الرباط ـ العاصمــة، حيث نقلت الصحافـة اليومية خبر عمليــة الهجرة السرية التي أسفرت، من جملة مـا أسفرت عنـه، عـن توقيـف خمـس سيارات، وثــلاثة قــوارب مــطاطية، تـم إعدادها لإنجــاز (المهمـة). وفي منطقـة الهـرهورة والصخيرات دائـما، كان تـدخل رجال الدرك الملكي مُتُمكِــنا، صبـاح الخميـس الماضـي، من تسجيل تحــطم قارب آخر للهجرة السـرية بمـوقع مصـب وادي شــراط، فيما ثــم انتــشال جثـة أربعــة أشخــاص كانوا ضمن هذه (الرحلة) التي قال أحد الناجين بأنها كانت تشمل 20 فردا من المرشحين للهجرة السرية.
وطبعا، وحتى مع عـدم استكمـال كل عناصر هــذه الكارثــة الجـديدة، فان أقل ما يمكن أن يقال عنها وأن تثيره، هو أننـا بمثل هـذه الوقــائــع، نكــون أمام واقعـة مـن وقائــع تستدعـي الانتبــاه والتنبيــه، لاسيما في هــذه الظرفية التي رفعت فيها البــلاد مـن مستــوى التعبـئة، ومن حجــم التحــديات والرهانــات الوطنيـة.
صحيح أن مشكل الهجرة، بحيثياتـه وتـداعياته، ليس بالأمر الجــديد، على أن المؤشرات والدلالات التي ارتبطت به وماتزال ترافقـه، لابـد وأنهـا كثيرا ما تبعث على القلـق، وعلى إثـارة العـديد من الأسئـلة والتساؤلات، خصـوصا حين يتعلــق الأمر باستغــلال وتـدبير المرفق العام، أو التفريط في القوانين والتشريعات المنظمـة لــه، ومن باب التلخيص والاختـصار نقف هنـا عــند نموذجــين:
ــ الأول، يتعلق بمواقع معظم هذه الحـوادث وبـ (الإمكانية) المجالية وما تتــيحه من وسائـل وأساليب نشر هذه الظاهرة، ومنها التحايل على قانون مقالع الرمال، واستنزاف الشواطئ، ونهب الرمال الشاطئيـة والساحلية، وبالتالي فتح الأبواب أمام مختلف التجاوزات بما فيها انتشــار (المقالع الســرية) وتدميــر المناطق الغابوية المحـاذيــة للشواطئ، إلى غير ذلك من السلوكات الغريبة، وبما في ذلك (استيطــان) هـذه المناطق من لــدن مافيـات (أنشطة) الهجرة الســرية، وتحويلها إلى مركز لأنشطة مشــبوهـة.
ــ والثـاني، يتعلـق بالـحكامة في المرفق العام وتدبير الشؤون المحلية، فبالنسبة للإدارة الترابية قـدمت العـديد مـن البرامج، وخــطط عمـل متفــائـلة ومشجعـة، لكن، وفي أجواء الانتخــابات وحتى بعــدها، تظل نتـائـج عمــل هـذه الإدارة وهـذه المرافق رهينــة الملمــوس والممارســة في نطاق مقتضيــات القانـون.
ومعــروف أن الهجرة السرية والاتجـار في البشـر كظـاهرة، ولأسباب معروفة، لا تعـدم المتعاملين معها والراغبيـن في الكسب مـن ورائهـا، كما أن ضحايـاها لا يقلون، في العموم، عن ضحـايا بقية ملفات الفســاد والـرشوة الرائجــة أمـام المحاكـم وبتهــم لها شهــرتها في ما تـؤدي إليه من نشر الفســاد وتوسيــع رقعـة (ثقــافتـه).
ومن جملـة الخلاصات الأساسية التي يمكــن لكل متتبــع أن يتوصل إليـها، في هـذا الموضــوع، هي أن وبـاء الفسـاد يتهــدد ليس فقـط بعـض الأفراد أو شـريحة معينـة، بـل إنــه يتهــدد المجتمــع برمتـه.. نعم، ومن ثمــة، فإن مهمــة التصدي لبــوادر طغيان الفساد مفروض أن تكــون بمـثابـة معركة من معــارك المجتمع المغربي في مرحلتــه الراهنة والجـديدة.
وهناك، ولا شـك وفــي هــذه المرحلــة بالذات، أكثـر من عنصـر تفـاؤل مما يحفز على ضمــان أسبــاب وحــظوظ النجـاح في مثل هــذه المعركـة، ولعـل من أبرز تلك الخــطوات الأولية، يتمــثل فــي ما تم إنجازه على طـريق العمـل الحكـومي، الذي نجـح حـتى الآن في خــطوات ومـؤشـرات إيجــابيـة، وذلك بــدءا من تكوين وتنصيب الحكومة والبرلمان، إلى تهييء وعرض البرنامج الحكومي على المؤسسة التشريعية، وإلى عرض هذا البرنامج على الفرق البرلمانية ومصادقــة المجلس عليـه.
ومن عناوين برنامج العمل الحكــومي، وعلاقته بالحس التنمـوي والهـم الاجتماعي، هناك ذلكم المصطلـح الذي يطلــق عليه مصطلح (الدولة الاجتماعية)، والذي يرجى من العمل بـه توسيع وتمتيـن الجبهة الاجتماعية، وتفعيل وتحصين الحقوق والمطالب الاجتماعية بما فيها تحسيـن شروط التشغيل، وتوفير أفق الشغـل، والعمل ثم العمل..، حتى لا تظل قنوات الهجرة السرية وشبكــات سماسرة الفســاد هــي الملجأ.