المخرج نظيف لـ”الأمة24″: أحكي عن صداقة الشدة التي تمنح المرء الأمان والرغبة في الاستمرار

فاطمة أبوناجي
كيف تحيل عاهات المجتمع الأفراد إلى مرضى نفسيين ومكتئبين، وتهشم الهش وتدخله دائرة لا يعرف للخروج منها سبيلا، إلى أن يضعه القدر في دائرة صداقة حقة، تشاطره الحِمل والهشاشة فينبت الأمل ويسقيه المشترك ليصير طوق نجاة من قسوة الواقع. تلك صور من فيلم سينمائي يحكي قصصا نسائية من عمق مجتمعاتنا، يتعلق الأمر بالفيلم المغربي “نساء الجناح- ج” للمخرج محمد نظيف، الذي شرعت القاعات السينمائية المغربية في عرضه، بحر الأسبوع الجاري، بعدما كان مقررا صدوره شهر ماي سنة 2020، بعد عرضه في المهرجان الوطني للسينما بطنجة، وألغت ذلك الجائحة “كورونا”.
عن هذا الفيلم الذي يحكي بعضا من صدمات الخيانة والموت.. تلك النهايات المفاجئة التي لا ننتظرها من القريب، يقول محمد نظيف في حديث مع ” الأمة24″: “اخترت أن أعرض لسلسلة ظواهر مجتمعية متشابكات في هذا العمل من خلال حكايات مجموعة نساء من أعمار مختلفة القاسم المشترك بينهن “الاكتئاب” بدرجات مختلفة، نتيجة ما عشنه وتعرضن له من خيانة وأذى صادم من المقربين، ولم أقل في الفيلم أن الخيانة تأتي فقط من الرجل، بل أيضا من المرأة وقد تكون أحيانا “الأم” ! يقول المخرج محمد نظيف موضحا: “فتناولت موضوع التستر على الشذوذ الجنسي حفاظا على سمعة العائلة، من خلال قصة خيانة أم لابنتها بتزويجها لابن أختها الشاذ، دون علمها بالحقيقة، وموضوع زنى المحارم، اعتداء الأب على ابنته، والشذوذ الجنسي، والتستر عليه داخل العائلات، وخيانة الحبيب الذي يمكر بخطيبته ويأخذ مالها ليعيش مع امرأة أخرى للحصول على جنسية أوربية، وموضوع الانتحار بحثا عن من وما نفقده في عالم آخر، عبر شخصية الأم التي يموت طفلها أمامها في حادث صادم”، وهي حالات مستقاة من الواقع، يضيف المخرج نظيف مبرزا: “الحالات التي سردتها الكاميرا من وقائع حقيقية، مضافا إليها بهارات من الخيال، فمثلا حالة الفتاة التي تعرضت للاعتداء الجنسي من طرف والدها قرأت تفاصيلها في إحدى الصحف، كما هو الشأن بالنسبة لحالة الممرضة التي خدعها زوجها وأخذ مالها من أجل زواج أبيض، بعدما وعدها بحياة أجمل في أوربا”، يقول محمد نظيف، لافتا إلى أن “الفيلم لا يروي المشكلات الاجتماعية فقط، وإنما يؤكد على نافذة الأمل، وهو شيء أومن به شخصيا، فثمة دوما أما حتى في أحلك الظروف، والأمل في هذا الفيلم هو تلك الصداقة النقية والقوية التي نشأت بين مجموعة النساء المريضات، والممرضة التي كانت إلى جانبهن، تداري وتقاوم بدورها حالة اكتئاب، صداقة دفعتهن ليكن أقوى في مواجهة قسوة الصدمات”.
المخرج محمد نظيف عبر عن سعادته لعودة الحياة إلى القاعات السينمائية المغربية، متمنيا أن يشاهد الجمهور المغربي هذا العمل الذي اشتغل عليه بحب، وأن يأخذ حظه في القاعات، خصوصا في ظل زحام الأفلام المغربية التي انتظرت عرضها منذ أكثر من سنة، إلى جانب الأفلام الأجنبية التي يوزعها أصحاب القاعات أنفسهم، وأيضا في ظل الحصص اليومية القليلة التي تفرزها القاعات للأفلام، مضطرة.
تبدأ أحداث الفيلم، الذي يسرد مخرجه جل صوره في طابع ليلي، داخل “الجناح ج” في مستشفى للأمراض النفسية في مدينة الزحام بالمغرب “الدار البيضاء”. تظهر آمال التي فقدت ابنها الوحيد في حادث أمام عينيها وتجلد نفسها طول الوقت، دخلت المستشفى بعدما حاولت الانتحار أكثر من مرة، فهي تسمع نداء طفلها ويتهيأ لها أن في موتها فرصة للقائه. وفي الجناح أيضا ابتسام التي خدعتها أمها وزوّجتها من رجل شاذ جنسيا بعدما أخفت عنها حقيقته، ابتسام التي ترفض أن ترى أن تغفر لأمها وأن تراها مجددا. ثم ريم أصغر النساء سنا في الجناح، وهي التي تعرضت للاعتداء الجنسي من والدها، وكشفت الموضوع للملأ، وبدل مساندتها وقف الجميع ضدها، بمن فيهم أمها التي شهدت ضدها داخل المحكمة.
ويقدم الفيلم أيضا صورة الممرضة النموذج التي تؤدي واجبها بقلب سليم وتتعاطف مع المرضى، وهي شخصية “حليمة”، التي تؤدي دورها الممثلة المبدعة جليلة التلمسي، بخلاف صورة نمطية طالما روجت عن غالبية أطقم التمريض داخل مستشفيات الأمراض النفسية، والتي تكون تطغى عليها الغلظة في التعامل مع المرضى.
هذه الممرضة، وإن بدت وكأنها تخرق قانون المستشفى أحيانا بأن تيسر لـ “نساء الجناح ج” الخروج سرا في بعض الليالي للترويح عن أنفسهن، إلا أن ما فعلته كان من أسباب تقوية روابط المحبة بينها وبينهن وجعلهن يتنفسن هواء ألطف بعيدا عن زحام المرض في المستشفى. ويوضح لنا المخرج أن هذه المرأة ( الممرضة) بدورها تقاوم الاكتئاب، الذي يريد اقتحام روحها، بعدما خدعها خطيبها وأخذ مدخراتها للزواج من أجنبية والحصول على جنسية أوروبية.
وقد شخصت أدوار فيلم “نساء الجناح ج” الممثلات المبدعات جليلة التلمسي وأسماء الحضرمي، وريم فتحي وفاطمة عاطف ونسرين الراضي وكنزة فريدو، وإيمان مشرافي التي قالت في محادثة مع “رسالة الأمة” إنه لم يكن سهلا بالنسبة لها تجسيد دور ابتسام، “وفي سبيل ذلك حاولتُ التقرب من شخصيات حقيقية عاشت ما يشبه تجربة شخصية الفيلم، بل وكنت أزور مستشفى للأمراض النفسية كي أشعر بالأشياء كما هي داخل هذه الفضاءات.. وكي ألبس جلباب ابتسام وهي شابة عانت من “طابو” زواجها برجل شاذ أو “مثلي” جنسيا، وهو ما أدخلها في حالة اكتئاب قادتها إلى مستشفى الأمراض النفسية، هناك حيث كونت صداقات مع مريضات بأسباب مختلفة للتأقلم داخل المشفى”.
لكل امرأة من أولئك النساء عقدة تسعى بوعي وبدونه إلى فكها، فكل منهن تغمرها مشاعر الوحدة، التي تكسرها شيئا فشيئا “الصداقة” التي نشأت وجعلتهن يتماسكهن ويتعافين ببعضهن البعض. هي الصداقة وفي هذا يقول محمد نظيف في محاورته لـ”الأمة24″ الفيلم في نهاية المطاف يحكي عن الصداقة، الصداقة في وقت الشدة، التي تعيد للمرء بعضا من توازنه وتفتح أمامه أبواب الأمل”، يقول نظيف معتبرا أن الأساس لديه من هذا الفيلم، الذي يتناول مجموعة من الطابوهات وتناقضات المجتمع، الأساس المهم أن تصل تلك المشاعر، مشاعر الصدق والتكافل التي تمنح المرء الأمان والرغبة في الاستمرار. وهو ما تقوله نهاية الفيلم حيث تبدو النساء قويات ببعضهن البعض لا يخشى عليهن من شيء.