أولويات وتحديات.. قانون المالية ليس مجرد مزايدات
المهـدي صابـر
بعـد مصادقة البرلمان على مشروع قانون المالية، للسنة المقبلـة، وبعد كـل الجلسات والنقاشـات التي تركـزت حول الموضـوع، يمكن القـول بأنـه يجــوز الآن التسـاؤل ووضع السـؤال كالتالــي: وماذا بعد إقرار ميزانية الدولة، لسنة 2022، بـاقتراحاتها وتعــديلاتها؟
فـلا شك أنـه موضـوع يستحـق كل الاهتمـام والتتبـع، وكيف لا وأن الأمر يتعلق بآليـة من الآليـات الدستورية المتعلقـة بتدبيـر المالية العمـومية ومراقبتـها. وكما يــدرك الجميـع، فإن إقـرار الميـزانية الجـديدة كانت لـه سياقـاتـه المتميـزة بقــدوم حكــومة جـديدة وبأغلبيـة جـديدة ومريحة أمكنـها، بالطبع، تمـرير قانون المالية بأغلبيـة 206 مقــابل 67، فيما كانت التعديلات المقترحة خاضعة للتصويت بعد أن دافعت الأغلبية عن ذلك.
وبالإضافة إلى ما سبـق، لا أحـد يمكنه تناول محـطة الميزانية بشكـل منفصـل عن المشهـد السياسـي العام، وخاصة بالنظر إلى رهانـاته وتحـدياته المفصليـة، ســواء منها تلـك المتعلقة بالأوضاع الدولية أو بــواقع المنطقـة المغاربيــة، وكــذا مخاطـر وتـداعيات وبــاء الجـائحة، أو ما يهـم مؤهلات المغرب، وقدراته وإمكانياتـه الاقتـصادية والتقنية، على التصــدي لمهام المرحلـة المتعـددة والمتداخلة أو المترابطة في مجـالاتـهـا، وفــي حـدتها وحـجمـها.
على أن المشهـد العام، بعناصـره الاقتصاديـة والسياسيـة، على الهـوية السياسية لأطراف الممارسـة الديمقراطية، وهــي من البديهيات التي تعــكس المواقف المعبر عنـها، بشكل عـام، منـذ بداية الاستحـقاقات الانتخابية وإلى إنجاز بقيــة المحطـات. من هنا، وخــلال تقـديم فصـول الميزانية، وسواء داخل البرلمان أو خارجـه، كانت هناك تقـديرات متفائلـة مع ما يدعم هـذا التفاؤل من معطيات وعناصر.
فكان من بين هـذه المعطيات ما هو مبرمج ضمن التزامات قـانون الماليـة، كالزيادة فـي كتـلة الأجور، ودعـم أسعار السكر والزيت والغاز والدقيق، وصندوق التماسك الاجتماعي، وغير ذلك من المقتضيات الداعمـة لظـروف العيـش، وكإسهام في بـناء الدولــة الاجتماعيـة.
عـلاوة على هـذا الجانب، لابـد من تسجيل أن من بين عناصر دينامية قانون المالية تلك الأولويات التي تراهن على النهوض بعــدد من القطاعات، ومنها:
ــ تقــوية أسس انتعاش الاقتصاد الوطــني.
ــ تأهيــل الرأسمال البشـري ونقــل المعـرفـة.
ــ تعزيز آليات الإدماج ومواصلة تعميم الحمايـة الاجتماعيـة.
ــ إصـلاح القـطاع العـام وتعزيز آليات الحكــامة.
ولهذا الاهتمام الإيجابي ينضاف عـدد من التعديلات التي تم قبولها وإدماجها في النص المصادق عليه، ومنها تلك المتعلقة بمجموعة من التحملات الضريبية، إلى غير ذلك من العناصر التي يمكن أن تعطي للقانون المالي ديناميته الاجتماعية والتنمــوية.
على أن مقاربـة أي موضوع بهذه الأهمية، ومن هــذه الطبيعة، لا يعني فصله عن تربتـه السياسية، لأنه، وبخلاف ما ادعاه البعــض، لا يمكن لأي حـزب، أو مسؤول سيـاسـي، الخوض في إنجـاز مواضيع من حجــم (ميزانية الدولة) إلا إذا كان مــؤهلا لذلك من حيث الكفاءة والحنكــة السياسية، وإن كان من الذين تحركهم روح المسؤولية والغيرة الوطنية، لأن وضع وصياغـة قانون المالية، أو ميزانية الدولية، “حاشى” أن يكـون مجـرد “مزايدات سياسية” أو مجرد “ترخيص سنوي للحكومة لاستخلاص الموارد”. فحتى في حالات الخلاف والاختلاف بين الأطراف السياسية تكون روح المسؤولية هي الحاضرة، ولذلك لا ينبغي تجاوز الواقعية أو تشويههـــا.
وفي حالتنا المغربية، يتضح ويتأكــد أن مجمل المكونات السياسية، ومن الأغلبية والمعارضة بالذات، تجمع على ثوابت الأمـة ومصالحها الوطنية العليا، فيما تنافسها السياسي ينسجم مــع النص الدستوري ومع نســق التعــددية الحزبية التي تلتف، اليوم كما بالأمس، حـول هـذا العمل الوطني الذي يجمع كل الملتزمين والملتزمات بمصالح الوطـن والعمل من أجـل تقــدمه في مختلف المجالات.
ولاشك أن ما يخص العمل البرلماني هو من الواجهات الأساسية للعمل السياسي الوطني الذي تسعى أطرافه دائما لأن يحمل المزيد من النجاحات لهـذا البلد وشعبه، وكذلك هو شـأن الولاية البرلمانية الحالية التي تبعث على التفاؤل وما يستــوجبه مــن حــزم وتعبئـة وتكــامل الجهــود، وخاصة أمام تعــدد المــهام وضخامــة الانتظارات، بما في ذلك المهام المجــالية، كما هو الأمر بالنسبة لورش الجهــوية المتقــدمة الذي يحتل مكــانة بارزة ضمن لائــحة الأولويات.