وطني

الحسن الثاني الملك الموحد الباني

في مثل هذا اليوم، التاسع من ربيع الثاني 1420 هـ، التحق جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني بالرفيق الأعلى، بعد سنوات حافلة من معارك التحرير والبناء والتطوير، خلف فيها مغربا قويا وموحدا، ودولة مستقرة بنظامها ومؤسساتها واختياراتها السياسية والاقتصادية، التي مكنتها من احتلال موقعها المستحق بين دول العالم المتطلعة إلى القضاء على كل مخلفات الاستعمار وسنوات الحرب والدمار، وكل أشكال الإقصاء والحرمان والهشاشة، وذلك بتسريع وتيرة الخروج من التخلف واللحاق بركب التنمية وتكوين جيل جديد من الكفاءات والطاقات التي حملت مشعل الوطن عاليا لتكريس مكتسباته التحررية ومنجزاته الوحدوية والديموقراطية والحقوقية، ومواجهة الرهانات التاريخية والحضارية، والوفاء بالاستحقاقات المستقبلية التي استشرفتها اجتهادات ومخططات الملك الباني والموحد، ونظره الثاقب للتحديات التي تخوضها الأمم المتقدمة من أجل ولوج مجتمع المعرفة والاتصال، ومواكبة زحف العولمة، بثقة بالغة في قدرة الهوية الثقافية الوطنية على التفاعل الإيجابي معها، والانفتاح على إيجابياتها، واستيعابها في النسيج الحضاري والبشري لبلد يؤهله موقعه الجغرافي وتنوعه الطبيعي، وتاريخه في التعايش وتدبير الاختلاف والتعدد، لاجتياز منعطفات هذه العولمة بنجاح واطمئنان وأمان.
ما كان للمغرب أن يتمكن في المرحلة الانتقالية ما بين حصوله على الاستقلال وبناء الدولة الحديثة، وهو لم يتعاف بعد من مخلفات الاستعمار وآثار نزاعات التحرير ومفاوضاته، أن يجتاز العقبات العديدة التي واجهته، وأن يعبئ إمكاناته ومقدراته لإعطاء انطلاقة قوية وناجحة لزخم الحرية والتحرر وتدبير لحظة البدايات، لولا سهر الملك الراحل على القيادة الرشيدة والحكيمة للبلاد، وتجنيبها عثرات هذه البدايات التأسيسية، بكل ما كان يعتمل داخلها ويحيط بها خارجيا من عوامل التثبيط والتشويش والتحريف، ولولا ما فتحه هذا الملك من أوراش استباقية عديدة وفي كل الجبهات لاستدراك النقص والخصاص والندرة، وإرساء الأرضية التدبيرية الإدارية والبشرية والمادية لاحتضان مشاريع العمل وبرامج التأهيل والاندماج والتعبئة. لا يتسع المجال لإحصاء المنجزات العديدة للملك الراحل في هذا الصدد، ويكفي أنه وضع قاطرة المغرب على سكتها الصحيحة باختياراته الدستورية، التي أفرزت مؤسسات وهيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية معتبرة، وأعطت للهوية المغربية ملامحها الأصيلة والحديثة في آن، وباختياراته الاقتصادية الحرة والتنموية التي جعلت الفلاحة المغربية مصدرا أساسا لا ينضب لثروات المغرب، وجعلت من سياسة بناء السدود رافعة للأمن الغذائي والمائي والطاقي للبلاد، وباختياراته السياسية الداخلية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والديموقراطية، وباختياراته الاجتماعية القائمة على دعم الأسرة وتثمين دورها في التنشئة والتربية، وعلى الحفاظ على الوحدة الدينية والمذهبية للبلاد وتعزيز القيم الأخلاقية الحميدة وقيم التسامح والانفتاح، ولزوم مبادئ إسلام الحنفية البيضاء والوسطية والاعتدال، وباختياراته السياسية الخارجية القائمة على التعاون والشراكة، والدفاع عن مبادئ السلام العالمي، وحوار الثقافات والحضارات والأديان، وعلى التضامن العربي والإسلامي، ونصرة القضايا العادلة للشعوب العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث تحول المغرب في وقت قياسي إلى أرض للقاءات العربية والإسلامية والدولية من أجل دعم التقارب والحوار بين الشعوب والدول، وأثمرت هذه اللقاءات وثائق واتفاقات جهوية ودولية، وصدرت عنها قرارات في غاية الأهمية لحفظ السلام والتعاون والتضامن وإقامة الشراكات الاقتصادية، تعتبر اليوم من بين أهم الأرضيات القوية لبناء التعاون بين الدول والأمم. ولعل حدث المسيرة الخضراء المباركة لاسترجاع ما تبقى من أراضينا المحتلة في الأقاليم الصحراوية الجنوبية، يعتبر ذروة الرؤية الحسنية في تدبير معركة التحرير بقوة السلم والسلام وبسلاح الإيمان والثقة في عدالة وشرعية قضية الوحدة الترابية للبلاد، موازاة مع التفاوض والحوار واللجوء إلى المحاكم الدولية المختصة وإلى تضامن دول العالم وشعوبه التي شاطرت المغرب مبادرته إلى هذه المسيرة، وشاركت بوفود لها وبراياتها وأعلامها في هذا الحدث التاريخي غير المسبوق.
واليوم إذ يخلد الشعب المغربي الوفي ذكرى رحيل باني دولته ومؤسساته ورمز وحدته ونهضته، يسجل بمداد الاعتزاز والفخر والوفاء، استدامة النَّفَس الإصلاحي والتصاعدي للنهضة المغربية مع وارث سر الحسن الثاني، جلالة الملك محمد السادس، بمواصلته تعميق أسس دولة المؤسسات والحقوق والحريات، وتوطيد دعائم الاستقرار والأمن والرفاه، وربط المسيرة الخضراء بالمسيرة التنموية المستديمة، ووَصْلِ مشروع تحرير الوطن بمشاريع تحرير المواطن وتأهيل المؤسسات، وتمكين قضية وحدتنا الترابية من كل الدعامات القوية على المستويين الإقليمي والدولي للترافع عن الحق المغربي والتفاوض من أجل السلام والحل السياسي التوافقي والعادل والدائم والشامل للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق