سياسة

مواقف متباينة بين الأغلبية والمعارضة بشأن البرنامج الحكومي

عبد الحق العضيمي

تباينت مواقف الفرق النيابية لدى مناقشتها للبرنامج الحكومي، أول أمس (الأربعاء) بمجلس النواب، بين الأغلبية التي دافعت عن الالتزامات التي تعهدت الحكومة بتنزيلها خلال الفترة 2021 – 2026، والمعارضة التي وصفت البرنامج الحكومي بـ”برنامج الأخطاء الجسيمة”.

برنامج للأمل

وفي هذا السياق، وصف محمد غيات، البرنامج الحكومي، الذي قدمه أخنوش أمام البرلمان يوم الاثنين الماضي، بـ”برنامج للأمل في مغرب الغد بطاقاته الشابة الواعدة بالحيوية والمتّقدة عطاء وابتكارا”.

غيات، وهو يتحدث عن هذا البرنامج، قال “إنه لا توجد رهانات مستقلة بصيغة المفرد؛ بل هناك رهانات اقتصادية واجتماعية جمعت في التزام واحد، والدليل هو تطرق رئيس الحكومة إلى مقاربة جديدة للتنمية تحت مسمى التنمية المجتمعية، وليس الاجتماعية”.

وبعدما ذكر بالالتزامات والتعهدات التي تضمنها البرنامج الحكومي، أعلن رئيس فريق “الأحرار” بالغرفة الأولى دعم حزبه للعمل الحكومي من “منطلق العمل النيابي البناء سواء على صعيد الإنتاج التشريعي أو على صعيد العمل الرقابي.

من جانبها، شددت فاطمة خير، عضو فريق التجمع الوطني للأحرار، على المقاربة التي وصفتها بالتاريخية، والتي اعتمدها رئيس الحكومة في انتقاء تشكيلة الحكومة بتمكين المرأة من ثلث المناصب الوزارية بعضها ولأول مرة على رأس وزارة المالية والصحة، معتبرا أن ذلك “يشكل مكسبا كبيرا للمرأة المغربية، ألا أن واقع المرأة ما زال يستدعي المزيد والمزيد من المجهودات من جانب الحكومة”، على حد تعبيرها.

وتابعت خير وهي تخاطب أخنوش قائلة:”هَمُّ كل أسرة هو ضمان العيش الكريم من سكن وتعليم وصحة، أنا كنائبة برلمانية سعيدة أن أرى في برنامجكم اهتماما وتخطيطا لإخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، الكل يعلم أن الفقر معضلة تهدد التوازن المجتمعي وتؤثر على الصيرورة الاقتصادية لبلادنا، وطالما كانت تحديا حقيقيا لسياسات الدولة، وقد جاء البرنامج الحكومي بمقاربة جديدة في هذا الإطار، مستمدة من النموذج التنموي الذي يضع الإنسان في صلب العملية التنموية، وبالتالي إعطاء هذا الورش الحيوي الأهمية الخاصة به مع ضرورة التقيد بتنزيل أهدافه كما وكيفا”.

وترى خير أن محاربة الهشاشة والفقر تبقى الحل الأمثل لتحصين التماسك المجتمعي وحماية قيمه من الاندثار والمزايدات، وتجنب كل الظواهر السلبية التي تهدد السلم الاجتماعي، بل والنظام العام من تطرف وجريمة وانحراف.

ومن الأشياء التي تحسب للبرنامج الحكومي، تضيف خير، إعطاء أهمية خاصة لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، من خلال إحداث صندوق خاص وضخه بميزانية تصل إلى مليار درهم بحلول سنة 2025.

ولم تفوت خير، التي تشتغل في عالم الفن، الحديث عن وضعية الفنان، وقالت إن هذا الأخير “ينتظر رعاية ووضع اعتباري لعطائه وإبداعه، خصوصا عندما تنطفئ الأضواء ويعيش خريف العمر.

طموح ويعرض حلولا اجتهادية

من جهته، دافع الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي من موقع “المساندة النقدية” على البرنامج الحكومي الذي أعلن عنه رئيس الحكومة، حيث قال رئيسه شاوي بلعسال، إنه “في مناقشتنا لهذا البرنامج وجدنا فيه العديد من القضايا والمبادرات التي تبنيناها في برنامجنا الانتخابي، أو في المذكرات التي ساهمنا بها في بلورة النموذج التنموي الجديد، كأولويات اجتماعية واقتصادية، وإصلاحية تشكل مجالات للتوافق والالتقائية وتهدف إلى تعزيز كرامة المواطن، وتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية والمجالية، ومواصلة بناء المؤسسات الترابية الفاعلة من جهوية متقدمة وتنمية ترابية شاملة ومدمجة ومنصفة، والسعي نحو بناء ركائز الدولة الاجتماعية والتماسك الاجتماعي والأسري عبر تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية وتنمية الرأسمال البشري انطلاقا من مدرسة تكافؤ الفرص إلى تأهيل الرأسمال البشري تربية وتكوينا وتعليما ورياضة وثقافة وقيما مجتمعية.

وزاد أنه “وانطلاقا من المعطيات والحقائق، قمنا بقراءة موضوعية لمحاور وعناصر البرنامج الحكومي للولاية التشريعية والحكومية الحادية عشرة، مستحضرين كذلك الهندسة السياسية لمكونات الحكومة وللهندسة التنظيمية للمؤسسة الحكومية وقطاعاتها ومستجداتها ومدى توافق هذه الهندسة مع مضامين البرنامج الحكومي وأولوياته؛ حيث يتبين بوضوح وجود تناسق بين هذه البنية الحكومية وهذه الأولويات ووجود ملامح للانتقال نحو العقلنة والترشيد في الهندسة التنظيمية الحكومية”، داعيا في هذا الصدد إلى مواصلة هذا التوجه على المستوى التنظيمي الإداري، بتجويد وإدماج الهياكل الإدارية القطاعية لتشكيل منظام موحد مركزيا وترابيا، وتفويضا للاختصاصات ونقلها إلى الجهات تفعيلا لميثاق اللاتركيز الإداري.

تابع قائلا: “إننا فعلا أمام برنامج حكومي عاكس بصدق ومعبر عن مختلف القضايا والأولويات المطروحة للنقاش العمومي في الساحة الوطنية منذ الإعلان عن بلورة النموذج التنموي الجديد الذي تمخض عن تقديم والإعلان عن تقرير لجنة النموذج التنموي، أو النقاش الذي رافق تطور انتشار جائحة “كوفيد-19″ وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وكذا النقاش المؤطر للاستحقاقات الانتخابية الأخيرة”.

وأكد شاوي أن مكوني الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي يجدان نفسيهما وتصوراتهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية ضمن محاور وعناصر كثيرة في البرنامج المعروض على أنظار البرلمان، معتبرا إياه “برنامجا طموحا، وذا بعد إصلاحي تنموي نوعي وعميق وواقعي يقدم من الضمانات والوعود، المدعمة بالمعطيات والمواعيد المعزّزة لوضع الثقة في مضامينه وأولوياته، والتفاؤل في نتائجه المنتظرة لصالح جميع المغاربة ولصالح جميع فئاته النشيطة والمتطلعة إلى آفاق الشغل والتشغيل أفرادا ومقاولات ناشئة وصغيرة ومتوسطة.

وأورد رئيس الفريق، أن البرنامج الحكومي يقدم “حلولا اجتهادية مبتكرة ببعد اجتماعي إدماجي واعد”، مشيرا بهذا الخصوص، إلى تنصيصه على إحداث دخل اجتماعي لفائدة المسنين وتقديم التعويضات الاجتماعية لكل الأسر المعوزة، فضلا عن رصد دعم دائم للأشخاص في وضعية إعاقة، واعتماد طبيب الأسرة كمبتدئ لمسار الرعاية الصحية.

كما أكد أن هذه السلسلة من المبادرات الاجتماعية والصحية، ستمكن شرائح واسعة من المجتمع للولوج إلى الانتفاع من الخدمات الصحية والاجتماعية، ليردف “إننا فعلا أمام ولاية حكومية “اجتماعية بامتياز” بعدما توفرت جميع الشروط القانونية والتنظيمية والآلية لتنزيل هذا الورش الإصلاحي الوطني المنتظر أن يشكل رافعة محركة للنهوض بالتنمية الاجتماعية الشاملة وتقليص الفوارق ودعم الطبقة الوسطى.

وختم شاوي تدخله بالإعلان عن مصادقة فريقه على البرنامج الحكومي، وذلك مساندة منه لرئيس الحكومة ولأعضائها.

واضح ويقدم أجوبة شفافة

بدوره، قال أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، المنتمي للأغلبية الحكومية، إن “الفترة الزمنية القصيرة التي تم فيها الإعلان عن التحالف الحكومي، والسلاسة التي طبعت تشكيل أعضاء الحكومة وعرض برنامجها أمام أنظار البرلمان، ومناقشتنا له اليوم، يعتبر بداية موفقة ومؤشرا دالا على إرادة الإصلاح والتغيير والقطع مع هدر عامل الزمن السياسي”.

وثمن التويزي تشكيل تحالف حكومي جديد، كبديل سياسي ديمقراطي، أفرزته صناديق الاقتراع لقيادة المرحلة في إطار التداول على السلطة، ولتشكيل حكومة قوية ومنسجمة، تطبعها الإرادة القوية للتغيير والقطع مع الممارسات السابقة.

 وأعرب المتحدث ذاته عن أمله في أن ينعكس الانسجام الحكومي على التدبير المجالي، بشكل يكون للبرنامج الحكومي تأثيره في العمق الترابي، ويعمل على تلبية احتياجات وانتظارات الساكنة المحلية. بما سيعمل على إعادة الثقة في المؤسسات، انطلاقا من توجهات النموذج التنموي الجديد واستثمار كل المؤشرات التي تبعث على التفاؤل، انسجاما مع الإرادة القوية للشعب المغربي، لصنع البديل الخلاق والرؤية الواضحة للمستقبل.

ونبه رئيس الفريق “البامي” إلى أن الحكومة الحالية مطالبة بالوفاء لبرامج مكونات أغلبيتها في كل القطاعات الحكومية وفي مقدمتها الاجتماعية، ومنها التربية والتكوين والتعليم العالي والبحث العلمي والصحة والشغل والسكن والاقتصاد غير المهيكل ومحاربة الفقر والتهميش والارتقاء بالعالم القروي وغيرها، مما قد يخلق نوعا من الرضى لدى فئات عريضة داخل المجتمع.

وفي حديثه عن الالتزامات الحكومية، أكد التويزي أن هذه الأخير “لم تقتصر فقط على المزاوجة بين الطموح المعبر عنه من طرف المغاربة والواقعية التي تطبع الرؤية العامة لتدبير الشأن العام المغربي من طرف مكونات الأغلبية، بل تجاوزت ذلك بكثير باعتبارها تشكل ضمانة للتوفيق والنجاح والوفاء لقيم النجاعة ونكران الذات.

واستطرد أنه “لا يمكن اعتبار النَّفَس الذي بُنِي على أساسه هذا البرنامج إلا عاملا من عوامل استحضار ثقة المواطنات والمواطنين، ينضاف إلى روح الإرادة التلقائية في التغيير المبني على نهج مقاربة جديدة في العمل الحكومي، وإلى الهندسة الحكومية المترجمة للرغبة في تفعيل أولويات النموذج التنموي الجديد، وإلى السِّيَر الذاتية لأعضاء الحكومة المتمثلة في معايير الكفاءة والنجاعة والمسؤولية، وهي كلها أمور تَعِدُ بشكل كبير بتوفير مقومات الالتزام بالبعد الاجتماعي كمحور أساسي للسياسة العمومية”.

كما أكد على أن الالتزامات الواردة في البرنامج الحكومي، والتي تتوزع على المحاور الثلاثة الأساسية، تحمل في ثناياها أجوبة واضحة وشفافة على العديد من الحاجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. “وهو ما يجعلنا نعرب عن دعمنا للحكومة في أجرأة هذا البرنامج على أرض الواقع، مع التعبير عن الأمل الكبير الذي يحذو المغاربة قاطبة في تسريع وتيرة الإنجاز وإكسابه النجاعة المرجوة والمردودية المنتظرة”، يقول رئيس الفريق.

برنامج الأخطاء الجسيمة

وفي المقابل، وصف عبد الله بوانو، رئيس مجموعة العدالة والتنمية، البرنامج الحكومي بـ”برنامج الأخطاء الجسيمة”، متسائلا بالقول، كيف يعقل أن يتحدث عن إحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، وفي الحقيقة قد تم إحداثها بقانون رقم 20.82 على يد الحكومة السابقة في شهر يوليوز 2021.

وأضاف بوانو، أن اعتماد الحكومة في حديثها عن تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية على مؤشر جيني يعتبر “خطأ جسيما”، مشيرا إلى أن البرنامج الحكومي لم يورد الإجراءات المتعلقة بكيفية تخفيض هذه الفوارق، عبر معالجة الأسباب التي تقف وراءها، ومن ذلك غياب العدالة الضريبية والاحتكار، وضمان الولوج لوسائل الإنتاج، والتفوق الدراسي.

ولم تقف انتقادات بوانو عند هذا الحد، بل وصلت حد وصف الحكومة بأنها “بدون روح سياسية، تجمع بين وزراء من التحالف الثلاثي، ووزراء تمت صباغتهم بألوان حزبية في آخر ساعة، ووزراء من لجنة النموذج التنموي”، وأنها “تتنكر في برنامجها لبعض الوعود الانتخابية الكبيرة والجوهرية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق