برياح: لسنا مسؤولين عن التفاهة
حاورته/ سمية مسرور
رشيد برياح الفنان والصوت الشاب الذي أعلن عن نفسه مبكرا في الساحة الفنية الغنائية، صوت حمل معه شعلة أغنية “الراي” منذ كان عمره 16 ربيعا، بالتفرد والتميز والأصالة والمحافظة على التراث، وعلى إثر اقترابه من إطلاق جديد أعماله الفنية، نستضيفه بجريدة “رسالة الأمة”، لمحاورته عن تجربته الفنية المتنوعة والمحطات المختلفة التي عرفت نجاحا كبيرا وعن سبب غيابه.. شاكرين له قبول الدعوة…
إذا كانت لابد أن تكون هناك نقطة البداية، فلنبدأ بتقييم الفنان رشيد برياح لأغنية “الراي” حاليا
بداية شكرا لمنبر جريدة “رسالة الأمة” على هذه الدعوة، وبالنسبة لتقييمي لفن “الراي” بين الأمس واليوم أقول: صراحة بالأمس كان لـ”فن الراي”، صيت عالمي يحمل رسائل ويطرح قضايا ومشاغل ومعضلات، كما كان يطرح إشارات واضحة أو مشفرة الحلول لكل ذلك، ويعتبر “فن الراي” تراثا يدخل ضمن مكونات الفلكلور في المنطقة الشرقية، وخاصة مدينة وجدة، وجاء عدد من الشباب وأنا واحد منهم ومن بعدي الراحل “ميمون الوجدي” ولحق بنا الإخوان بوشناق، وأشعر بأنني أمام حمل ثقيل لمسؤولية الحفاظ على هذا الفن من حيث الكلمة واللحن والموضوع والأداء والمواويل، وللأسف نرى اليوم متطفلين ولجوا هذا الفن وميعوه، خاصة أننا أصبحنا نسمع اليوم هذا النمط الجديد وبحسب مسمياتهم الحداثية المختلفة، أغان دون معنى ولا مضمون ولا جمالية، فضلا على ضعف الصوت وغيرها من الأمور، وأخلص للقول بأن الفن الجميل للراي كلن خلال فترة الثمانينيات ومطلع التسعينيات، حيث كان فنا راقيا له حمولته الفنية والإبداعية لحنا وكلمات وأداء، والحمد لله طالما هناك في العمر بقية إلا وكرست حياتي للدفاع عن هذا الفن، وأبقى دائما حاملا شعلته، كما أحببته ومارسته وتعلمته، لكي يبقى محبوبا عند الجماهير داخل وخارج أرض الوطن.
هناك محطات تبقى راسخة في ذاكرة كل فنان، هل تذكر إحدى هذه المحطات في مشوارك الفني؟
بالنسبة لتجربتي في الغناء كانت مسارا حافلا بالسهرات والمهرجانات، ولله الحمد، أتيحت لي فرصة أنني التقيت بالمغفور له جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله في مراكش، وغنيت مباشرة أمام جلالته، فهو “الملك الفنان” بكل ما في الكلمة من معنى وكانت لجلالته معرفة واسعة بجميع المكونات التراثية الغنائية لكل جهة من جهات المملكة، ومنها الجهة الشرقية الغنية بالتراث والإيقاعات، كما غنيت في حضور جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وهذا أهم وأجمل ما أعتز به في مشوار حياتي الفنية، أن تغني أمام رموز وطنك فهذا شرف كبير لي ولأغنية الراي ولكل فنان مغربي.
متى كانت الانطلاقة تحديدا؟
يمكن القول بأن البداية كانت مع أغنية “يا مينة بسلامة” وأيضا مع سنة 1986 وتحديدا بعد إعادتي لأغنية الجزائري رابح درياسة التي بعنوان “مبروك علينا”، ومنها توالت الأعمال والمساهمات التي كانت علامة فارقة في تاريخ أغنية “الراي”.
بين الاقتداء بالقدوة وصولا إلى الشاب الممارس، كيف تلخص هذه المرحلة؟
أستحضر هنا العلاقة العائلية مع “الشيخ االجيلالي” أحد كبار شيوخ فن الراي بمدينة وجدة، وهو الرجل الذي آمن بي، حيث كان محبا ومعجبا بصوتي، مما جعله يشجعني ويعطيني بعض الأغاني لأعيد أداها بصوتي، أغان مثل “يا بن سيدي” و أغنية “يا خويا” وأغنية “راني محير” ومن خلال هذا الدعم بدأت مسيرتي في الغناء.
في معادلة عادلة بين الأخذ والعطاء، ما الذي منحه وأخذه فن “الراي” من الفنان رشيد بالرياح؟
في واقع الأمر، فن “الراي” منحني الكثير والكثير، وأهم ما منحني حب الناس وهو دائما بالنسبة لي بمثابة وسام فخر ومسؤولية وأمانة، الحب… التقدير… الاحترام… هي الأشياء التي لا تقدر بثمن وهذا طبعا يجعلني أمام مسؤولية جسيمة في تقديم ما يليق بهذه القلوب التي أحبتني، إنه الجمهور الذي يصفق لي منذ عمر 16 ربيعا، ومازال يصفق لي بنفس الحرارة في كل مرة يحضر إحدى حفلاتي الغنائية، وأنا اليوم في عقدي الخمسيني، الحمد لله أولا وأخيرا أينما أحل وأرتحل إلا قابلني هذا الحب الكبير، وسعيد بكوني أذكر كل واحد منهم بذكريات رحلت برحيل الزمن أيام الثمانينيات والتسعينيات. وأنا سعيد رغم كل ما يمكنه أن يعيق هذه المعادلة، مقارعة للتطور التكنولوجي/ الرقمي الذي ساهم في الانتشار السريع لفن “الراي” عالميا، ومن مسؤولياتي المحافظة على رصيد رشيد برياح كما عرفه وعرفته الساحة الفنية.
ماذا يقول الفنان رشيد برياح للأجيال الصاعدة التي أخذت اتجاه غناء “أغنية الراي”؟
قبل أن أقول كلمتي، اسمح لي أن أقول أولا إن هذا الجيل أكثر حظا منا، جيل توفرت لديه الإمكانيات، الظروف، والأهم سرعة الانتشار عبر المنصات الاجتماعية التي أعطت لهم فرصة كبيرة في الصعود سريعا للنجومية، لكن عليهم قبل ذلك أن يمتلكوا القدرة على المنافسة، ومقارنة بزمننا لم تكن كل هذه التسهيلات متوفرة، كانت شهرتنا من خلال الإذاعة الوطنية والتلفزيون، إلا أنني أعاتب البعض وهنا أوجه رسالتي إلى بعض أبناء هذا الجيل هناك أصوات جيدة، ممتازة، ولهم أغان في المستوى وبالمقابل أيضا هناك من تطفلوا على الميدان من كل جوانبه سواء الأداء أو اختيار الكلمات والمواضيع وغيرها…، خصوصا مع الإمكانيات التي أصبحت موجودة في الأستوديوهات، بحيث يستطيع أن يسجل بصوت جميل وجيد وإن كانت الحقيقة غير ذلك وهذه من سلبيات التطور التكنولوجي الحاصلة في حاضرنا، ويقولون إنهم يغنون ولا علاقة لهم بالغناء، إضافة إلى أن الأغنية باتت عند البعض مثل “السندويتش” وهي أغان دون استمرارية وتختفي سريعا بعد صدورها بأيام قليلة.
من وجهة نظرك، من المسؤول على تراجع مكانة “أغنية الراي”، ومن يتحمل مسؤولية إعادتها إلى سابق عهدها؟
بعض وسائل الإعلام اليوم، تشجع التفاهة والأغاني الساقطة بالدرجة الأولى، ونحن لسنا مسؤولين على التفاهة، وعدم وجود لجنة المراقبة على كل ما يروج في المواقع الإجتماعية، ولا توجد مراقبة صارمة لا من حيث الأصوات، والكلمات وكذا الفيديو كليب حيث هناك فيديوهات الصورة ليست لها علاقة بالموضوع.
هل هذا يعني أنك تطالب بإعادة لجنة الكلمات؟ أم أنتم رواد فن “الراي” تتحملون جزءا آخر من انتشار التفاهة؟
هناك أغان ذات مواضيع غير هادفة وتركز على الصور مع إدماج الجنس اللطيف، فنحن لسنا مسؤولين على هذه التفاهة، وليست لنا سلطة لمنع مثل هاته الأعمال، لابد أن يكون تقنين للفن في بلادنا وطبعا رغم كل ذلك لا يصلح إلا الصحيح، كما أطالب بمراجعة شروط منح البطاقة الفنية “بطاقة الفنان” ولا تعطى إلا لمن يستحقها عبر مروره أمام لجنة متكونة من مغنٍ وملحن وكاتب كلمات وناقد وليس كما نشهده اليوم ممن هب ودب.
كأحد الأسماء الحاملة لمشعل “أغنية الراي” في بلادنا.. هل لك أن تعرف القارئ والمهتم على المعيار الذي يعطينا أغنية “راي” تحترم كل مقومات هذا الفن؟
من وجهة نظري، أرى أن أهم الشروط التي يجب أن تتوفر في مغني “الراي” هي القدرة على أداء المواويل، وجميع المقامات، والمواضيع بدورها التي تمتاز بها أغنية “الراي” وهي مواضيع يتم اختيارها بدقة.
إلى جانب مسارك الفني الغنائي، هل أخذت تجربة أخرى في مجالات فنية غير الغناء؟
نعم شاركت في فيلمين الأول في 1988 وكان من إنتاج قناة الأولى للمخرجة إيمان مصباحي والفيلم بعنوان “بيت الريح”، ودوري كان البطولة والمشاركة مجموعة من الفنانين، وأيضا مشاركة في فيلم سينمائي آخر في مطلع التسعينيات من إخراج المخرج عبد الله المصباحي، واسمه “فتيات بلا حجاب”.
لماذا هذا الغياب الطويل عن تقديم أي جديد فني؟ وهل هناك أعمال جديدة ننتظر صدورها قريبا؟
في الحقيقة ليس غياب، بل أن رشيد برياح يحب أخذ الوقت الكافي حتى يقدم منتوجا فنيا يرقى إلى ضائقة الجمهور، بالنسبة لجديدي بحول الله قريبا سيرى النور من خلال سهرات القناة الثانية، وهو تعاون مع شركة “سي . سي”، العالمية وهذا التعاون سيشمل ثلاثة أغان واحدة “الليل طويل وسهرتنا طويلة” وأخرى بعنوان “عقلي معاك مشا”، أما أغنية “الزين دارو عليك حدود”، الأغنية التي تعتبر من أهم أغاني التراث لشيوخ “الركادة” في محاولة لإعادة تجديد ألحانها وكذلك توزيعها.
في ظل الضجة التي خلفها العطب الذي أصاب بعض مواقع التواصل الاجتماعية، كيف عاش الفنان رشيد برياح فترة هذا الانقطاع وهل أثر ذلك على تواصلك مع جمهورك؟
بالنسبة لي كان الأمر جد عاد، لأنني لست معتمدا بشكل كامل على هذه الوسائل التواصلية لأنها ضارة أكثر من ما هي نافعة، وعلى سبيل المثال نسبة المشاهدة عبر المنصات الاجتماعية، مزورة في معظمها أو مبالغ فيها. وأقصد هنا ما ينشر على منصة “اليوتوب”، وخاصة من طرف مجموعة من صناع المحتوى، ووجود أشخاص مختصون في رفع أرقام المتابعات.
وأما عن العطل الذي أصاب بعضا من مواقع التواصل الاجتماعي، أنا بالنسبة لي لم أشعر به لأنني كنت أتواجد في الأستوديو، وبالتالي كان الهاتف مغلقا، بالفعل كان هناك تأثير طفيف لأنهم يسهلون عملية الوصول للأشخاص والتواصل معهم، بالنسبة لمن يعتمدون عليها بشكل كامل مثل الشركات والمؤسسات، أو بالنسبة للمدمنين عليها.
في سابقة توقفت فيها الحياة برمتها، وشلت حركة العالم أجمع، كيف تعايش الفنان رشيد برياح مع هذا المتغير الذي أفرزته جائحة “كورونا”؟
العالم عانى ويعاني من هذه الجائحة، وصراحة توقفت الحياة كليا، خاصة في الميدان الثقافي والمغرب ككل الدول التي شهدت انتكاسة كبيرة بفعل ذلك، بالأخص حين أغلقت المسارح توقفت العروض المسرحية والحفلات الموسيقية، إضافة إلى توقف المهرجانات والحفلات، بمعنى أن الفنان والمثقف تأثروا كثيرا بذلك، ومن جانب آخر هي فرصة للإنسان من أجل مراجعة نفسه، ويدرك في هذا الوقت أن العافية هي أغلى ما يملك الإنسان، وإشارة كذلك للدولة لإعادة النظر في المنظومتين الصحية والتعليمية، وفي فترة الجائحة ظهرت فعليا الأزمة الحقيقية التي تعاني منها هذه القطاعات، وفي كل هذه الظروف وجدت نفسي في حركة جد محدودة مما أعادني إلى مراجعة الكثير من الأمور وتحصيل أعمال جديدة ستكون لها إضافة نوعية في مساري الفني وهي ست (6) أغان والتي استغرق مدة تحضيرها في “الأستديو” 9 شهور، تلحينا وتوزيعا منها ثلاثة أغان سترى النور قريبا، وثلاثة آخرى سيصدرون لاحقا، ونسأل الله الفرج القريب .
في ختام هذا اللقاء الشيق أشكركم على هذه الاستجابة، ولكم مساحة حرة لقول كلمة للجمهور ننهي بها هذا الحوار
مرة أخرى أجدد شكري لكم، وختاما ليس من السهل أن تكون لي استمرارية في مسار يقارب في عمره 40 سنة، وهي رحلة قطعتها بمساندة جمهور يبادلني وأبادله الحب والتقدير، فشكرا أولا لجميع الأوفياء للأغنية “الراي” بمضمونها التراثي والأصيل، ولكل الذين يسمعون لرشيد برياح وينتظرون منه الجديد ويشجعونه على إصدار المزيد من الأغاني.