وطني

مواصلة المجهودات التنموية ومواجهة التحديات الخارجية

شدد الخطاب الملكي السامي، بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، على أمرين كبيرين هما من إفرازات المرحلة الجديدة التي دخلها المغرب بأولويات استراتيجية محددة، الأمر الأول مواصلة المسيرة التنموية التي تميزت بمجهودات ناجحة ومنتجة وضعت المغرب في مصاف الدول الرائدة إقليميا ودوليا في التدبير الناجح لتداعيات الظرفية الوبائية والحفاظ على المكتسبات وتعزيزها وتطويرها. الأمر الثاني مواجهة التحديات الخارجية التي استغلت الانشغالات الدولية بالوضعية الوبائية، لزعزعة الاستقرار بالمنطقة والتسابق من أجل كسب موقع قدم أو مواقع متقدمة على حساب قضية الوحدة الترابية لبلادنا.

لقد تمكن المغرب بفضل سياسته الحكيمة والسلمية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والديبلوماسية من الاستشراف المبكر لكل عناصر هذه التحديات الداخلية والخارجية، التي تم تنزيل عدد من المشاريع المهيكلة المهمة لمواجهتها خصوصا في الفترة الوبائية، التي شهدت تراجعا في نمو عدد من الاقتصادات العالمية واقتصادات دول المنطقة، وظهور اختلالات كبيرة وجوهرية في المجالين الصحي والغذائي، كان المغرب في منأى عنهما، إذ عزز سيادته الصحية والأمنية، كما دعم وحدته الترابية وسيادته كاملة على كافة ترابه المنازع فيه، بتحرير معبر الكركرات نهائيا وتأمينه من مخاطر التهديدات الجزائرية الانفصالية، وفتح قنصليات جديدة لدول من مختلف القارات، وجلب استثمارات كبرى إلى الأقاليم الجنوبية، ومد الطرقات وإنشاء الموانئ، وهي المبادرات والمشاريع التي ستغير وجه الصحراء المغربية وتحولها إلى أكبر جسر في المنطقة للربط القاري والدولي وتبادل المصالح والخيرات والانفتاح على الاستثمارات والشراكات التي بدأت وفودها تصل إلى الأقاليم الصحراوية المغربية، وتدرس الإمكانيات المتعددة التي تتيحها التشريعات والخطط المغربية وتجاربه التنموية، في اعتراف واضح بمغربية هذه الأقاليم.

 إن مواجهة التحديات الخارجية في فترة وصفها الخطاب الملكي السامي بـ”الظرفية المشحونة بالعديد من التحديات والمخاطر والتهديدات” تفرض علينا المضي إلى أبعد مدى في مواصلة المجهودات التنموية بالسرعة القصوى والزخم الذي انطلقت به والذي يتناسب مع انطلاقة عهد سياسي جديد تميز بنجاح الخيار الديمقراطي المغربي في إرساء تداول طبيعي على تدبير الشأن العام، تميز بصعود جيل جديد من الكفاءات والخبرات إلى مراكز القرار سواء على صعيد تدبير الشأن المحلي والجهوي في الجماعات الترابية، أو على صعيد تدبير الشأن الوطني العام في الحكومة والمؤسسات التشريعية.

فتعزيز الجبهة الداخلية الوطنية بالاستجابة لتطلعات المواطنين وتدبير مختلف حاجياتهم الصحية والغذائية في الفترة الوبائية التي تخبطت فيها العديد من الدول، وتهاوت فيها قدراتها على الاستجابة والوفاء بالالتزامات، كان أهم رد على التحديات الخارجية، ومن شأن مواصلة العمل على الجبهة الداخلية بالتعبئة وترجمة الرؤى والمشاريع والاستراتيجيات إلى أعمال ملموسة أن تقوي الجدار الأمني لبلادنا والمتمثل بالخصوص في عنصره البشري المؤهل لمواجهة أي عدوان على سيادة المغرب ومكانته، وموقعه المعترف به دوليا في شراكات السلم والاستقرار.

لقد حدد الخطاب الملكي السامي جملة من الإجراءات التي يتعين على الفاعل الحكومي الجديد وعلى نواب الأمة ومستشاريها الجدد، أن يأخذوها بعين الاعتبار في مواصلة المسيرة التنموية للبلاد وفي تنزيل النموذج التنموي الجديد الواعد والباعث على الأمل، وعلى رأسها إرساء آليات تفعيل هذا النموذج، بما في ذلك وضع “الميثاق الوطني من أجل التنمية”، الذي ستتحدد من خلاله التزامات كل الأطراف، وسقف العمل والغلاف الزمني للإنجاز، والوسائل المعبأة لتمويل المشاريع، وبرامج التقويم وتتبع التنفيذ… هذا فضلا عن ضرورة تعزيز هذا الميثاق بميثاق آخر يتعلق بتحفيز الاستثمار، وبإصلاحات ضريبية وغيرها مما يجب استئناف الاشتغال عليه لاستكمال الحلقات التشريعية لمنظومة التنمية والاستثمار في بلادنا.

وبالنظر إلى الحاجة لمواكبة عمليات التنسيق والتنفيذ للسياسة التنموية ولإطارها العام المفتوح الذي يمثله النموذج التنموي الجديد، فإن ما دعا إليه الخطاب الملكي من إصلاح عميق للمندوبية السامية للتخطيط يبدو مستعجلا للمساعدة على التنسيق الاستراتيجي والتقويم المستدام لهذه السياسة التنموية ولمختلف عملياتها الواردة في النموذج التنموي.

لقد تهيأت الأرضية السياسية الديمقراطية والأرضية التنموية الاقتصادية الواعدة ببلادنا لفترة ما بعد الجائحة، وعلى المدبرين الجدد الذين وصلوا إلى دواليب القرار والمسؤولية أن يعرفوا أن مغربا جديدا وآمنا ومستقرا يولد من رحم هذه الظرفية التي هزت العالم وأخلت بتوازنات العديد من دوله، وأن هذا المغرب استثمر بقوة تاريخه العريق وذكائه الجماعي في مواجهة تداعيات الظرفية الوبائية، فحافظ على الاستقرار في منطقته وأمن العيش الكريم لمواطنيه وعزز سيادته الصحية، ودعم ريادته الإقليمية والدولية في مواجهة التقلبات والطوارئ والمخاطر، ومن شأن تثمين هذه المكتسبات ودعمها ببرنامج عمل حكومي جديد منسجم وطموح ومتكامل وقابل للتطبيق، وبعمل برلماني جديد مختلف ومفتوح على الأسئلة المتجددة والملحة للمواطنين في الصحة والتشغيل والتعليم، أن يدعم الثقة في المجهودات التنموية لبلادنا ويقوي روح الأمل والتفاؤل لدى قطاع واسع من شبابنا الذي يتعرض لاستقطابات تيئيسية وتبخيسية من قوى الهدم والعدمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق